د. عماد بوظو يكتب:

هل يدفع التشدّد الديني للخروج من الإسلام؟

"ولو كنت فظّا غليظ القلب لانفضّوا من حولك" (آل عمران 159). تقول هذه الآية أنه حتى لو كان الرسول نفسه جافا وجلفا لابتعد عنه الناس. يبدو أن الأيام الحالية تؤكد صحة هذه الآية؛ حيث انتشر شكل متشدد ومتزمّت من الإسلام، وأصبح كثير من رجال الدين فظّين، تمتلئ قلوبهم بمشاعر الغضب والكراهية تجاه كل من يختلف معهم، ولا يرون من الإسلام سوى فتاوى التكفير وإرهاب الناس بالعقوبات.

وترتكز العلاقة مع الله بالنسبة لهم على الخوف وليس على الحب. لا يقتصر وجود هؤلاء على تنظيمات مثل "داعش" و"القاعدة" ومن يحكم باسم الإسلام مثل طالبان في أفغانستان ونظام ولاية الفقيه في إيران وبوكو حرام في نيجيريا، بل تصل إلى عدد كبير من الذين يتحكمون المراكز الإسلامية.

ومع هيمنة هذا الفكر المتشدد كثرت التقارير التي تتحدث عن ارتفاع أعداد الخارجين من الإسلام، من إيران وأفغانستان ومناطق سيطرة "داعش" في سوريا والعراق سابقا، إلى شمال أفريقيا. وقال جاريسون ديفيد، الباحث في جامعة شيكاغو، إن مئات آلاف المسلمين قد تحولوا إلى المسيحية وإن أعداد هؤلاء في القرن الواحد والعشرين فاقت أعدادهم في أي وقت آخر في التاريخ. وقالت دراسة لدوان ميلر الباحث في جامعة أدنبره إن عدد المسيحيين من خلفية مسلمة بين 1960 و2014 بلغ 8.4 مليون، بينما قدّرت دراسة أخرى لجامعة سانت ماري في تكساس إن هذا العدد وصل إلى 10.2 مليون.

ففي إيران، وفقا لكريستيان بوست، يستمر نمو المسيحية بين الشباب. وقالت منظمة "الأبواب المفتوحة" المسيحية إن عدد من تحول إلى المسيحية في إيران بلغ 370 ألفا، بعد أن كان 200 شخصا فقط قبل أربعين عاما. وقالت دراسة لجامعة أدنبرة إن عدد المتحولين إلى المسيحية في السعودية بلغ 50 ألفا بينما قدرت جامعة سانت ماري الأميركية العدد بحدود 60 ألفا.

وفي تقرير نشرته صحيفة ميليت التركية أن 35 ألف تركي تحول للمسيحية عام 2008 فقط. وفي الجزائر قدرت جامعة سانت ماري عدد المتحولين للمسيحية خلال الفترة بين 1960 و2015 بحدود 380 ألفا، خاصة في منطقة القبائل، وقال القس يوسف يعقوب إن نسبة نمو المسيحية في الجزائر 800 في المائة.

وفي المغرب، خلص تقرير بالولايات المتحدة أجري بالتعاون مع السفارة الأميركية اعتمادا على استطلاع للرأي بأن عدد المغاربة الذين تحولوا إلى المسيحية خلال الربع الأول من عام 2012 وصل إلى 8000 شخص.

وشهدت مدينة عين العرب ـ كوباني التي حاصرها "داعش" لعدة أشهر تحولا متزايدا نحو المسيحية، وقال بعض المتحولين إن ممارسات التنظيم الإرهابي الذي كان يحارب باسم الإسلام هو الذي دفعهم نحو الدين الجديد.

ولفتت دراسة لجامعة سانت ماري إلى أن عدد المتحولين للمسيحية بين 1960 و2015 في إندونيسيا وصل إلى 6.5 مليون شخص، وفي نفس الفترة تحول في نيجيريا 600 ألف شخص للمسيحية، وفي داخل الولايات المتحدة قدرت دراسة تعود لعام 2015 أن 450 ألف مسلم اعتنقوا المسيحية بينهم 180 ألف من أصول عربية و130 ألف من أصول إيرانية.

تتناول هذه الإحصائيات المتحولين للمسيحية فقط، وتم الحصول عليها من المصادر التي وثّق فيها هؤلاء الأشخاص تحوّلهم للدين الجديد، ولكن الأعداد الأكبر من التاركين للإسلام هم المتحولون إلى اللادينية، ومن الصعب معرفة أعداد هؤلاء لأنها مسألة إيمانية شخصية لا تحتاج إلى توثيق بمكان ما. لكن الاستبيانات الخاصة والمشاهدات الشخصية والتي لا يمكن التأكد من دقّتها، تعطي انطباعا بأن هناك انتشارا واسعا لظاهرة التخلي عن التديّن في إيران والسعودية والمناطق الكردية التي واجهت "داعش".

وهذا ينسجم مع إحصائيات أجريت في الولايات المتحدة قالت إن 32 في المئة من الذين تربّوا كمسلمين لم يعودوا يعتنقون الإسلام بعد سن الرشد، و55 في المئة منهم أصبحوا لادينيين و22 في المائة أصبحوا مسيحيين.

وحسب دراسة لجامعة هارفارد فإن أعدادا متزايدة تترك دينها وتصبح لادينية، حيث انخفضت نسبة من يعتبرون أنفسهم مسلمين من الأميركيين الإيرانيين من 42 في المائة عام 2008 إلى 31 في المئة عام 2012. ووجدت دراسة ألمانية عام 2016 أن حوالي نصف الأشخاص من أصول مسلمة في ألمانيا البالغ عددهم 4.2 مليون يصنفون أنفسهم كمؤمنين.

ولا يمكن تنفيذ دراسات أو إحصائيات في البلدان الإسلامية حول هذه المواضيع لأسباب اجتماعية وقانونية، فالخروج عن الدين الإسلامي يمكن أن يؤدي إلى عقوبات تتعلق بمفهوم الردة عن الإسلام.

رغم ذلك، سمحت وسائل التواصل الاجتماعي بخروج بعض الحالات الفردية للعلن. وبحسب الإحصائيات العالمية، فإن الرابح الأول من عملية التحوّل الديني هم فئة اللادينيين الذين يكتسبون النسبة الأكبر من الذين يتركون دينهم، ثم تأتي المسيحية في المرتبة الثانية بنسبة من يتحول إليها، ولكنها تحتل المرتبة الأولى من ناحية المكاسب الصافية من عملية التحول الديني، حيث يدخل للمسيحية سنويا 15.5 مليون شخص قادمين من ديانات أخرى، ويرتد عنها 11.7 مليون معظمهم يصبح لا دينيين.

تتجنب المصادر الإسلامية التعرّض لقضية الخروج من الإسلام، وتشكّك بالتقارير التي تتحدث عن ذلك، وتعتبرها حملات دعائية تقوم بها مراكز عالمية متآمرة، وفي حال خروج إحدى القصص للرأي العام، تقوم المراكز الإسلامية بتبريرها واعتبارها نتيجة للتبشير والإغراءات المادية وليس نتيجة رفض بعض المسلمين لهذا الشكل المتشدد من الإسلام. وفي المقابل تستفيض بالحديث عن الدخول في الإسلام خصوصا إذا كان من قبل شخصيات معروفة.

وما يساعد المراكز الإسلامية على حالة الإنكار هذه، هو الإحصائيات التي تتحدث عن زيادة أعداد المسلمين في العالم، رغم أن السبب الرئيسي لذلك هو معدل الإنجاب المرتفع لوجود أغلب المسلمين في بلاد متخلفة فقيرة، ولكن معدل الولادات المرتفع هذا سينخفض مع تطوّر مجتمعات العالم الثالث ولحاقها ببقية العالم، بما سيجعل إخفاء أعداد الخارجين من الإسلام أكثر صعوبة.

وبالإضافة إلى الخسارة العددية الناتجة عن الخروج من الإسلام، هناك الخسارة النوعية لأن المغادرين بغالبيتهم من الشباب، وبعضهم من أصحاب التفكير الحر المستقل والمستوى الثقافي المرتفع، ورغم ذلك تصرّ المراكز الإسلامية على إنكار انتشار ظاهرة الخروج من الإسلام حتى لا تعترف بوجود مشكلة في الخطاب الديني، وحتى تتجنّب طرح القضايا التي لم يعد يتقبلها العصر للنقاش، مثل الحدود كالرجم وقطع اليد والصلب والجلد وقضايا المرأة من تعدد الزوجات للإرث والحجاب وغيرها.

بالخلاصة، يمكن القول إن المراكز الإسلامية اختارت عدم الاعتراف بوجود المشكلة بدل محاولة البحث عن حلول لها.