د. حسن بن عقيل يكتب لـ(اليوم الثامن):
المملكة العربية السعودية في المستنقع اليمني
بعد احداث أغسطس 2019 في عدن و اتفاق الرياض 5 نوفمبر2019 سوف تواجه السعودية تحديات هامة و خطيرة في اليمن . خاصة بعد ان سحبت الإمارات بعض من قواتها من مأرب و عدن و الساحل الغربي ، لتحل محلها قوات سعودية . التواجد السعودي لم يكن مهدد فقط من أنصار الله الذي تدعمه إيران ( حسب ماهو معلن ) . المجتمع الدولي لاحظ تزايد القدرات العسكرية الذاتية لأنصار الله ، و تزايد هجمات الطائرات بدون طيار و كثر استخدام صواريخ كروز على اهداف عسكرية سعودية و اهداف للتحالف . يمكن ان تؤدي هذه الزيادة في قدرات انصار الله الى تزايد حدة و تشعب الصراع بين أنصار الله و السعودية . لكن هذا ليس التحدي الوحيد الذي تواجهه السعودية . هناك تحديات اخرى منها المعارضة " الدولية " المتزايدة للسعودية في أعقاب مقتل الصحفي جمال خاشقجي ، و ما أحدثتها حرب المملكة العربية السعودية على اليمن من أسوأ كارثة إنسانية في العالم ، مثلا موقف الحزب الديمقراطي الأمريكي و حزب العمال البريطاني و غيرهم المعارض للسياسة السعودية . و التحدي الأخطر التحول التدريجي للمحافظات الجنوبية الى مستنقع تغرق فيه السعودية ، مثل الروس في المستنقع الأفغاني أو الأمريكان في المستنقع الفيتنامي . المواجهات و المناوشات التي حصلت بين المجلس الإنتقالي الموالي للإمارات و قوات حكومة هادي الموالية للسعودية ، هذا شيئ ممكن حسمه في الرياض أو ابوظبي ، و بالفعل حسم في الرياض . لكن القادم من الصراع في المحافظات الجنوبية سوف يكون أسوأ مما حصل في عدن . هذا إذا تم تفعيل قبائل شبوة ، حضرموت ، المهرة ، سقطرى . هنا سوف تنفتح ابواب جهنم أمام السعودية . البيئة الحاضنة للمقاومة القبلية الشبوانية ، الحضرمية ، المهرية ، السقطرية موجودة . و أدواتها موجودة ، هناك آلاف من ابناء هذه المنطقة يحملون الجنسيات السعودية أو الإماراتية أو الخليجية الاخرى ، فهي خلايا نائمة منتظرة دورها . وما المزاج المتنوع الذي نشاهده للحرب الأهلية اليمنية الا تعبيرا عن الصراعات المتداخلة و التي تشير الى العديد من الايادي و الجهات الفاعلة و المحركة لتلك الصراعات منها المحلية و الإقليمية و الدولية ذات المصالح المتنافسة و القدرات المختلفة .
إن أمن المحافظات الحدودية مع السعودية مثل صعدة ، المهرة ، حضرموت ، هي جزء من الأمن الاستراتيجي للمملكة العربية السعودية . هذا يتطلب تنسيق جاد و وضع خطط لها أبعادها و محاورها الاستراتيجية ، و منطلقة من مقومات اقتصادية و اجتماعية فعلية لا غنى عنها حتى تحقق أهدافها المحددة . المملكة العربية السعودية لن تشعر بالأمن و الاستقرار مالم تخلق الظروف التي تحفز على إنجاح الأمن الاستراتيجي . هذا ليس صعب ، إذا صدقت السعودية و القوى الإقليمية النوايا . أي لا بد أن تغير القوى الإقليمية سلوكها الى الأفضل بدلا من إثارة الفتن بين القوى و المكونات السياسية اليمنية و البحث عن عوامل الاستقرار الاقتصادي و السياسي و خلق التوازنات في اليمن و دعمها ، وعدم المساس بسيادة الوطن و كرامة الانسان اليمني . ذلك من خلال التنسيق مع الكيانات السياسية التي لها ثقل قبلي و اجتماعي في المحافظات الشرقية مثل مجلس الإنقاذ الوطني اليمني الجنوبي ، و مع محافظات شمال الشمال اليمني ، أنصار الله .
انهيار هياكل السلطة المحلية في المحافظات الجنوبية
الحرب التي دامت نحو خمس سنوات ساهمت في احداث تفتيت شديد للسلطة المركزية ( سلطة الشرعية ) . التي بدورها قوضت النظم السياسية المحلية في المحافظات الجنوبية . و ساعد على التفتيت هو هشاشة النخب المحلية و النوايا السيئة للرعاة الإقليميين . نتيجة التفتيت ظهرت هياكل فضفاضة للسلطة المحلية . فضلا عن العديد من الهياكل شبه العسكرية و الميليشيات . اليمن لم يعد لها وجود من الناحية العملية كدولة ، بعد اختفاء السلطة المركزية . مما أتاح الفرصة لبعض الكيانات في الحراك الجنوبي انشاء هيئات تتهئ لإغتصاب السلطة و بدعم اقليمي مثل المجلس الإنتقالي و بدعم إماراتي . تقاتل ضد الحكومة المحنطة سعوديا و تدعي تمثيل الجنوب ، مستمدة شرعيتها إما من الرياض أو ابوظبي . أما ما يقال عن التفويض الشعبي و المسيرة المليونية فهي شكل من أشكال الكوميديا السياسية الساخرة . مثلا مسرحية " مسيرة مليونية تحت عنوان الوفاء للإمارات و التحالف العربي " . السؤال الوفاء على ماذا ؟ على تدمير و إذلال اليمن .. أو على موقف الإمارات المخجل من اعلانها ضم جزيرة سقطرى للإمارات ( الاندبندنت 2 مايو 2018 ) أو فرض الإعتراف بالسعودية كمستعمر . نحن نعرف كيف تسير المليونية ، في سهلة إذا توفر الدولار الإماراتي أو السعودي و المواصلات و اللوازم المادية الاخرى .
المحافظات الشرقية فهي مسالمة بطبيعتها ، و تترقب بعين واثقة ، المشهد السياسي في المحافظات الغربية و تشعر بالألم و بخطورة العبث السياسي الحاصل هناك . فقد بقية بعيدة عن الصراعات منذ الاستقلال . هذا مايمليه مزاجها السياسي و الثقافي ، البعيد عن المزاج السائد في الضالع و لحج أي في المحافظات الغربية ، التي تعد عمق المجلس الإنتقالي . الصراعات الدموية دائما ما تقودها قيادات من المحافظات الغربية بحكم وضعها السيئ اقتصاديا و جغرافيا . هي التي تثير العنف في محاولاتها للإستيلاء على السلطة و الثروة ، مثلا احداث 1967 الحرب الأهلية / 1969 الخطوة التصحيحية / 1978 الصراع بين سالمين و فتاح و عنتر / 1980 خروج فتاح من السلطة على أثر خلافات حزبية / 1986 خروج على ناصر من السلطة على أثر خلافات حزبية و في الحكومة . رموز و قيادات هذه الصراعات هم في الأساس من المحافظات الغربية ، بينما رموز و قيادات المحافظات الشرقية و ان شارك بعضهم ، فقد شارك بحياء و برمزية بسيطة بحكم وضعه الوظيفي .
اليمن بيئة العنف المسلح
العنف المسلح في اليمن ، للأسف ، هو التعبير الاساسي للصراع السياسي ، ونتيجة للخلافات على الجغرافيا ( الموارد الطبيعية و الثروة و الانسان ) . عادة ما يتبع العنف المسلح ان تحصل تغييرات على المستوى السياسي ، إما ان يتم تفتيت تحالفات محلية القائمة أو يتم تشكيل تحالفات اخرى . لا ننسى دور البعد الإقليمي في التحريض و إفساد سلوك القادة . و هذا مثال أشار اليه الرئيس القاضي عبد الرحمن الإرياني ، في عتابه للملك فيصل ال سعود على سلوك النظام السعودي في تجاهل السلطة المركزية ، و التعامل مع الشخصيات السياسية و القبلية بشكل مباشر و تقديم لهم المساعدات ( ذلك خلال الجتماع مع الملك فيصل عام 1973 )، قال الإرياني للملك فيصل " الاستمرار في تسليم الميزانيات لتلك الشخصيات مساسا بسيادة الدولة " ( من مذكرات اللواء حسين المسوري ) . عقب هذا الاجتماع اتخذت السعودية قرارها بالتخلص من نظام الإرياني بواسطة انقلاب قام به الشهيد ابراهيم الحمدي بالاتفاق مع السعودية 13 يونيو 1974 . وهذا مايحصل الآن . اتفاق الرياض 2019 ، ما هي الا محاولة انقلاب تدريجي على سلطة هادي لصالح سلطة الزبيدي . كارت هادي محروق سعوديا فلابد من البحث عن كارت جديد .
احداث اغسطس و اتفاق 5 نوفمبر 2019 وضع اليمن الجنوبي امام تحدي أمني خطير قد تفرض على الحرب الأهلية في اليمن ان تتداخل مع التوترات الإقليمية . هي مهيأة لان تتحول إلى حرب بالوكالة أو قد تؤدي إلى مواجهة إقليمية أوسع . خاصة إذا هيمن الإنتقالي بمفرده على عدن . لان وجود الانتقالي منفردا يعقد الوضع الداخلي أكثر . بوجوده سوف تشتعل معارك أكثر بين مكونات الحراك السياسي الجنوبي من جانب ، و دول الإقليم ، دولة الإمارات العربية المتحدة و المملكة العربية السعودية و حكومة صنعاء ( أنصار الله ) للسيطرة على المحافظات الجنوبية من جانب آخر . و من هنا تبدأ المملكة العربية السعودية الغوص في مستنقع اليمن ...
هنا نسرد صورة من التاريخ الحديث لليمن الجنوبي ، نشرته صحيفة الأيام ( الأيام فيسبوك 23 نوفمبر 2014 ) صحيفة تحظى بالاحترام . المقال تحت عنوان لماذا رفضت حضرموت الانضمام و الوحدة مع الجنوب العربي ( أي الجنوب اليمني ) ..؟؟ يقول الكاتب :
" وقد رفضنا هذا العرض .. للأسباب التالية :
أولا : رفضنا هذا العرض الوحدوي لأنه صادر من الحكومة البريطانية الاستعمارية و انه لا يتجاوب مع رغبات الشعب الحضرمي .
ثانيا : رفضنا هذا العرض لأنه يطالبنا بالاتحاد مع منطقة يعتبرها اليمن ( أي اليمن الشمالي ) جزء من اراضيه التي يحتلها الاستعمار .. و لم يطلب لنا ( أي الحضارم ) الاتحاد – مثلا – مع الدولة اليمنية المستقلة المعترف باستقلالها عربيا و دوليا .
ثالثا : رفضنا هذا العرض الوحدوي لئلا نصطدم بالأشقاء في صنعاء .. كنا نعمل على تجنبها بأي ثمن .. و ها هي المحاذير التي كنا نخشى ان تقع .. و يدفع ثمنها الفادح الشعبان الحضرمي و اليمني على السواء.. و لازالت أخطارها .. و أضرارها تتعاظم بمرور الوقت . و الذي أعلمه أن الحكومات اليمنية المتعاقبة في صنعاء منذ 1945م كانت تطالب باستعادة بعض المناطق اليمنية و تحرير مستعمرة عدن اليمنية . ووعدت بريطانيا بمنح هذا الاتحاد الاستقلال في موعد أقصاه الأول من يناير 1968م . و استمر الأشقاء في صنعاء يطالبون بإلغاء هذا الاتحاد و خروج الاستعمار فورا و إلحاق هذه المنطقة بسلطة السيادة و الحكم في صنعاء باعتبارها جزء من الأراضي اليمنية . ولكن بريطانيا رفضت الاستجابة لمطالب صنعاء .. و استمرت السلطة الشيوعية ( أي حكومة اليمن الجنوبية ) في عدن رفض الاستجابة لهذه المطالب .. ولكن بذريعة أخرى ! .
و على أي حال لم تكن حضرموت فيما أعلم هدفا لطموح سياسي توسعي من الأشقاء في اليمن ( صنعاء ) .. و لم تعرض علينا من قبلهم فكرة ( الوحدة معهم سياسيا و اقتصاديا ) .. ولو عرضت علينا فكرة الوحدة بين حضرموت و اليمن لأخذناها بعين الاعتبار بعد التأكد من رغبات الشعب .. وزوال الحماية البريطانية عنه .. إن الوحدة هي المطلب الوطني لكل العرب " .
مما ذكر أعلاه يتعين على الجهات الدولية الفاعلة ، بما فيها الاتحاد الأوروبي ، التحرك بسرعة لتحويل التصعيد الهش بين السعودية و أنصار الله الى اتفاق ينتج عنه في نهاية المطاف وقف لإطلاق النار و رفع الحصار و إعادة بدء المفاوضات التي تقودها الأمم المتحدة بين الجماعات السياسية اليمنية لإنهاء الحرب . هناك حاجة أيضا الى دعم دبلوماسي أممي مستمر لتوحيد و تقارب وجهات النظر بين المكونات السياسية للحراك الجنوبي ، مثل مجلس الإنقاذ الوطني و المجلس الانتقالي و ملتقى التصالح و التسامح الجنوبي و مجلس الحراك الثوري و فرع المؤتمر الشعبي العام الجنوبي و الحزب الاشتراكي و الاستفادة من رموز الحركة الوطنية اليمنية الجنوبية ، مثلا الاستفادة من حنكة الزعيم الحكيم و الاب القائد الرئيس على ناصر محمد . هذا الدعم الدبلوماسي الأممي من شأنه أن يوفر فرصة جيدة لعملية السلام التي تقودها الأمم المتحدة في اليمن و جعل المفاوضات أكثر شمولا .
كاتب و محلل سياسي يمني