د. اشجان الفضلي كتب لـ(اليوم الثامن):

رائدات السلام.. قوة النساء في بناء مستقبل مستدام

 لطالما كانت المرأة عنصرًا فاعلًا في مسيرة المجتمعات، ليس فقط كأم ومعلمة ومربية، بل كصانعة تغيير تمتلك حسًا فطريًا في احتضان السلام وبناء الأمل. في عالم يموج بالنزاعات والصراعات، يبرز دور النساء بوصفه حجر زاوية في جهود تحقيق السلام وترسيخ مفاهيم العدالة والاستقرار.

المرأة والسلام: من الهامش إلى صلب القرار

حين نتحدث عن دور النساء في بناء السلام، فإننا لا نتحدث عن دور تكميلي أو ثانوي، بل عن مساهمة جوهرية في بناء الأوطان، لا تقل أهمية عن الجهود السياسية والعسكرية. في تجارب دول عدة، أثبتت النساء أن حضورهن على طاولة المفاوضات ليس مجرد حضور رمزي، بل إضافة نوعية تسهم في إيجاد حلول مستدامة للنزاعات، بفضل قدرتهن على الاستماع، واحتواء الخلافات، وصياغة رؤى تراعي البُعد الإنساني والاحتياجات المجتمعية.

في اليمن، ومع اشتداد الأزمة السياسية والإنسانية، واجهت النساء تحديات مضاعفة، وتحملن أعباءً تفوق الوصف، من النزوح والفقر وانعدام الأمن، إلى غياب الخدمات الأساسية وتدهور الوضع الصحي. وبرغم ذلك، برزت نماذج نسائية فاعلة في جهود الإغاثة، التعليم، الوساطة المجتمعية، والعمل المدني، الأمر الذي يعكس قدرة المرأة اليمنية على الصمود والمبادرة في أحلك الظروف.

تمكين المرأة: ضرورة استراتيجية لا رفاهية

إن تمكين النساء وتعزيز حضورهن في مواقع صنع القرار المتعلّقة بالسلام والأمن، لم يعد خيارًا يمكن تجاهله، بل ضرورة استراتيجية لبناء مجتمعات أكثر تماسكًا وقدرة على التعافي. فحين تُمنح النساء الفرصة للمشاركة الفاعلة، يُسهمن في تقديم مقاربات جديدة، وخطط تعالج الجذور الاجتماعية والثقافية للنزاعات، لا مجرد مظاهرها.

لقد أثبتت دراسات الأمم المتحدة أن مشاركة النساء في عمليات السلام تزيد من فرص استدامة الاتفاقات، وتحسّن جودة الحلول المطروحة، ومع ذلك لا تزال النسب ضئيلة، حيث تشكّل النساء أقل من 10٪ من المفاوضين في عمليات السلام حول العالم، وغالبًا ما يُقصين من الحوارات السياسية الكبرى.

تجربة شخصية: التدريب من أجل السلام

من هذا المنطلق، أشارككم اليوم مشاعر الفرح والامتنان، فقد حظيتُ وزميلاتي من اليمن وعدد من الدول العربية بشرف الحصول على شهادة الإنجاز في "تدريب التثقيف من أجل السلام"، المقدم من منظمة IWPG (المبادرة العالمية للنساء من أجل السلام).
لم يكن هذا التدريب مجرد دورة معرفية، بل تجربة إنسانية ثرية زوّدتنا بالأدوات الفكرية والمهارية اللازمة للانخراط الواعي في قضايا بناء السلام، وعززت فينا قيم الحوار والتسامح والانفتاح على الآخر.

خلال جلسات التدريب، لم نكن نتلقى المعلومات فقط، بل كنا نخوض رحلة لاكتشاف الذات وإعادة قراءة أدوارنا كنساء في ظل واقع عربي معقد، تغذّيه النزاعات والانقسامات، وتزيده هشاشة السياسات الإقصائية والأنظمة الذكورية.

لقد ناقشنا قضايا العدالة الانتقالية، وفض النزاعات، وأهمية التعليم كأداة للسلام، وتبادلنا التجارب والتحديات، من اليمن إلى فلسطين، ومن لبنان إلى السودان، وكلها تجارب توحدت فيها النساء حول هدف واحد: أن يكنّ جزءًا من الحل، لا ضحايا للصراع.

من التدريب إلى الميدان

إن هذه التجربة، رغم بساطتها، تؤكد أن السلام يبدأ من القناعة الفردية، وينمو بالعمل الجماعي، ويتجذر حين يتحول إلى ثقافة مجتمعية تتبناها الأجيال.
لقد عُدنا من هذا التدريب بطاقة متجددة، وإيمان أكبر بأن التغيير ممكن، وأننا كنساء عربيات، نستطيع أن نكون منارات هادئة في زمن العواصف، شرط أن نؤمن بقيمتنا، ونناضل من أجل تمثيل عادل ومؤثر في مسارات البناء والسلام.

كلمة أخيرة

في خضم صخب السياسة، وجلبة الحرب، وتضليل الإعلام، تحتاج الأوطان إلى أصوات ناعمة لا تهتف للدمار، بل تدعو للبناء.
تحتاج اليمن، وسائر بلداننا العربية، إلى نساء يحملن شعلة السلام بوعي وشجاعة، ويدفعن بالمجتمعات نحو التعافي.
علينا أن ندرك أن السلام ليس مهمة المؤسسات وحدها، بل مسؤولية كل فرد، وكل امرأة، تؤمن بأن مستقبل الأجيال يبدأ من اللحظة التي تقول فيها: «أنا جزء من هذا الطريق».