د. اشجان الفضلي تكتب لـ(اليوم الثامن):

"الحرامي والعبيط".. حين تصبح البراءة ضحية والضعف عملة للاتجار

ترك فيلم "الحرامي والعبيط" في نفسي أثرًا عميقًا، كأنه مرآة عكست واقعًا مؤلمًا لبراءةٍ مُستغلةٍ وقلبٍ نقيٍّ يواجه قسوة عالمٍ لا يرحم. هذا العمل السينمائي، الذي يمزج ببراعة بين الكوميديا السوداء والدراما الإنسانية، لم يكتفِ بانتزاع ابتسامة باهتة، بل غاص بنا في أعماق النفس البشرية ليطرح أسئلة جوهرية حول معنى الإنسانية في عالمٍ قد يتجرد من أبسط قيمها.

تتمحور الأحداث حول "صلاح"، الشاب البسيط ذي القدرات الذهنية المحدودة، الذي يصبح هدفًا سهلًا لاستغلال "فرج"، النصاب المحترف الذي يمثل الجانب المظلم من طبيعتنا البشرية، حيث تغلب الأنانية والمصلحة الشخصية على أي وازع أخلاقي. استغلال "فرج" لبراءة "صلاح" ليس مجرد فعل دنيء، بل هو تجسيد لوجه قبيح للإنسانية عندما تنحدر إلى مستويات وضيعة من الانتهازية، وهو ما يذكرنا بالاستغلال الواقعي الذي يتعرض له الأطفال، وخاصة المتسولين، في مجتمعاتنا.

الظروف الصادمة: حين يتحطم عالم البراءة
أما الظروف الصادمة، فهي الأحداث المؤلمة الناتجة عن الكوارث الطبيعية أو أفعال البشر، التي تسبب للفرد معاناة كبيرة وتعوق مسار حياته الطبيعي. يتعرض "صلاح" لموقف صادم حين يشهد خيانة زوجته في غرفة نومه، ثم يتعرض للضرب المبرح من عشيقها وعصابته، مما يؤدي إلى تدهور حالته النفسية والعقلية ليصبح شخصًا مشرّدًا يأكل من القمامة، وهو ما يجعله فريسة سهلة لاستغلال "فرج". هذا المشهد المؤلم يعكس الواقع المرير الذي يواجهه العديد من الأطفال المتسولين الذين أجبرتهم الظروف القاسية على ترك منازلهم ليصبحوا عرضة لأبشع أنواع الاستغلال.


الإساءة النفسية والعاطفية: جروح لا ترى بالعين
تتجلى الإساءة النفسية والعاطفية في الفيلم عندما يُلحق "فرج" بـ "صلاح" ألمًا وجروحًا نفسية وعاطفية، كالتهديد بالعنف الجسدي والتخويف والإذلال. يصل الأمر بـ "فرج" إلى خدش "صلاح" بالسكين لترهيبه ومنعه من الهرب، وتهديده بالقتل. هذه المشاهد تعكس أساليب الاستغلال البشعة التي يتعرض لها الأطفال المتسولون، حيث يُزرع الخوف في قلوبهم ويُمارس عليهم الترهيب والإذلال لضمان استمرارهم في التسول وتلبية مصالح المُستغلين.
الاستغلال: تسخير الضعف لمصلحة الذات
يُعرف الاستغلال بأنه تسخير أشخاص (ماديًا أو معنويًا) في عمل ما لمصلحة فرد أو مجموعة بقصد أو بدون قصد، بهدف إشباع رغباتهم، مما يؤدي إلى الإضرار بالطرف المُستغل. في الفيلم، يتجلى هذا المفهوم بوضوح عندما يفقد فرج عينه فيقوم  باستغلال  إعاقة "صلاح" ، حيث يدفعه بكل أنانية إلى عيادة طبيب عديم الضمير لاستئصال عين "صلاح" السليمة.
تخيلوا معي... شابًا يتوق للعودة إلى سابق عهده، يحلم باستعادة قدرته على الحركة، على الاعتماد على نفسه... ثم يُحرم من هذا الحق الإنساني الأساسي بسبب أنانية من يفترض به أن يكون سنده وعونه. قصة هذا الشاب ليست مجرد حكاية فردية، بل هي صرخة ألم مدوية في وجه مجتمع قد تتآكل فيه قيم التضحية والإيثار أمام بريق المادة الزائف." انه شاب معاق في احد الجبهات القتالية ووالده يرفض علاجه لدى اخصائي علاج طبيعي 
الحماية الاجتماعية: حقٌ مُهدر وبراءة مُستباحة
إن الحماية الاجتماعية، التي تهدف إلى ضمان احترام والتزام حقوق الإنسان كما ورد في القوانين الدولية والمحلية، هي ما نرجو أن يحصل عليه جميع النساء والأطفال المعرضين للخطر، بمن فيهم "صلاح" والأطفال المتسولون في واقعنا. قصة "الحرامي والعبيط" تصرخ بمرارة أمام هذا الحق المُهدر، أمام هذه البراءة المُستباحة التي تُداس بلا رحمة.

في نهاية المطاف، يتركنا فيلم "الحرامي والعبيط" بشعور مختلط من الحزن والغضب، ولكنه يحمل أيضًا بذرة أمل. أمل في أن نتمكن، كمجتمع وكأفراد، من أن نكون أكثر وعيًا بمسؤوليتنا الإنسانية، وأن نسعى جاهدين لتعزيز قيم الرحمة والعدل والتعاطف في تعاملاتنا اليومية. فالإنسانية ليست مجرد كلمة، بل هي فعل وممارسة مستمرة، ومسؤوليتنا جميعًا أن نحمي براءة الأطفال ونقف سدًا منيعًا أمام كل أشكال الاستغلال التي تهدد طفولتهم ومستقبلهم.