د. اشجان الفضلي تكتب لـ(اليوم الثامن):

طعنة في خور مكسر.. هل تستيقظ عدن من كابوس العنف؟

 في فجر يوم السبت، 5 أبريل 2025، اهتزت مديرية خور مكسر في عدن بفاجعة أليمة، حيث لقي الشاب سالم الزامكي، طالب كلية الآداب قسم الخدمة الاجتماعية، مصرعه طعنًا بسكين خلال شجار عنيف في منطقة ساحل أبين. هذه الحادثة ليست مجرد جريمة فردية، بل جرس إنذار يدق بقوة ليوقظ الضمائر ويدفع الجميع – سلطات ومجتمعًا – إلى تحمل مسؤولياتهم التاريخية تجاه مدينة عدن وأهلها. لقد حان الوقت لتوحيد الجهود لإنقاذ عدن من دوامة العنف والتعصب، وبناء مستقبل يسوده الأمن والسلام والعدالة لجميع أبنائها.

في سياق القانون الدولي لحقوق الإنسان، يُعد الحق في الحياة ركيزة أساسية لا تُمس. تنص المادة الثالثة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن "لكل فرد الحق في الحياة والحرية والأمن على شخصه"، بينما تؤكد المادة السادسة من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية أن "الحق في الحياة حق ملازم لكل إنسان، ولا يجوز حرمان أحد من حياته تعسفًا". لكن الشاب الزامكي حُرم من هذا الحق بشكل تعسفي وغير قانوني، في انتهاك واضح لمبادئ حقوق الإنسان. لم تكن هناك ضرورة قانونية أو هدف مشروع يبرر هذا الفعل الإجرامي، مما يجعل الحادثة شاهدًا على تفاقم الفوضى والانفلات الأمني في المدينة.

كما قال الفيلسوف الإيطالي نيكولو مكيافيلي: "الاضطرابات والفوضى من صنع الزمن لا البشر". وفي سياق علم الأعصاب، يرى المتخصصون أن السادية والعنف قد تكون استجابات تطورية لظروف قاسية. عندما تتدهور الأوضاع المعيشية وتصبح الموارد شحيحة، يتراجع مستوى "السيروتونين" في الجهاز العصبي، مما قد يدفع الأفراد إلى العنف كوسيلة للتنفيس أو البقاء. في عدن، يعاني الشباب من ضعف الأمن الغذائي، وانعدام فرص العمل، وتردي الأوضاع الاقتصادية، مما يخلق بيئة خصبة للاحتقان والكراهية. هذه العوامل، إلى جانب الانفلات الأمني، تجعل شبابًا يثورون لأتفه الأسباب، محملين بمفاهيم خاطئة عن الحياة والقوة.

جريمة مقتل الزامكي ليست حالة معزولة، بل جزء من سلسلة حوادث تشير إلى تدهور الأوضاع في عدن. ففي 1 أبريل 2025، عُثر على شاب مشنوقًا في منزله بمنطقة بير فضل في ظروف غامضة، وفي 1 يناير 2025، قُتل شاب بطلقات نارية في المنصورة، وفي 20 يناير 2025، أُلقي القبض على شاب بتهمة قتل قطة. هذه الأحداث تكشف عن تصاعد العنف بأشكاله المختلفة، مدفوعًا بجذور عميقة تشمل الصراعات السياسية، والانقسامات القبلية، وضعف الأجهزة الأمنية، وتأجيج النعرات عبر وسائل التواصل الاجتماعي. استمرار هذا الوضع يهدد النسيج الاجتماعي الهش للمدينة، ويزعزع استقرارها، ويعيق أي جهود للتنمية أو الإعمار.

لمواجهة هذا الواقع المؤلم، يجب اتخاذ إجراءات فورية وحاسمة، يجب تعزيز الأمن والقضاء، من خلال توحيد الأجهزة الأمنية تحت قيادة وطنية، وتفعيل القضاء لمحاسبة الجناة وتحقيق العدالة في قضية الزامكي وغيرها، ومكافحة الكراهية، بتكثيف حملات التوعية ضد خطاب التعصب والعنف، وتعزيز قيم التسامح عبر الإعلام والمجتمع، وتحسين الأوضاع المعيشية، من خلال توفير فرص عمل للشباب وبرامج تنموية للحد من الاحتقان الاجتماعي، دور المجتمع، من خلال تفعيل دور القيادات الدينية والاجتماعية في تهدئة النفوس ونبذ العنف.

عدن، المدينة التي طالما اشتهرت بتنوعها وتسامح أهلها، تنزف اليوم من جرح عميق. قضية مقتل سالم الزامكي يجب أن تكون نقطة تحول، دافعًا لتضافر الجهود لاستعادة الأمن والاستقرار. 

إن استمرار العنف لن يدمر الحاضر فحسب، بل سيُجهز على آمال المستقبل. فلنتكاتف جميعًا – سلطات ومجتمعًا – لإنقاذ عدن، وإعادة بنائها كمدينة للسلام والعدل والمساواة، كما كانت وكما يجب أن تظل.