د. اشجان الفضلي تكتب لـ(اليوم الثامن):

القمة النسوية الثامنة في عدن.. المرأة في سياق العدالة الانتقالية

انعقاد القمة النسوية الثامنة في عدن خلال السابع والثامن من ديسمبر 2025 لم يكن مجرد حدث تنظيمي أو نطاق نشاط مجتمع مدني، بل جاء في سياق تحولات سياسية وقانونية تتصل مباشرة بمفهوم الدولة وإمكانية الانتقال إلى مرحلة سلام مستدام. القمة التي عُقدت تحت شعار «قوتنا نضالنا جهودنا» كشفت عن طبيعة النقاش المرتبط بالعدالة الانتقالية بوصفها حجر الأساس لأي انتقال سياسي غير قابل للارتداد، وأظهرت بوضوح أن إدماج قضية المرأة في هذا المسار ليس مطلبًا حقوقيًا فحسب، بل شرط من شروط الاستقرار.

عندما تُطرح العدالة الانتقالية في السياق اليمني والجنوب خصوصًا، فذلك يعني معالجة انتهاكات الماضي، وإغلاق ملفات الصراع دون دفنها أو تجاوزها، لأن تجاوزها يعني فقط إعادة إنتاج أسباب النزاع. في هذا السياق تصبح مشاركة المرأة في مفهوم العدالة الانتقالية ضرورة استراتيجية. المرأة ليست مجرد ضحية؛ هي شاهد مباشر على أعنف مظاهر الانتهاكات التي رافقت الحروب والتحولات السياسية، بما فيها الاحتجاز والإخفاء والعنف القائم على النوع الاجتماعي. تجاهل هذا البعد يعني حرمان المجتمع من جزء أساسي من الحقيقة، وبالتالي تعطيل وظيفة العدالة نفسها.

تطور موقع المرأة في هذه القمة لم يكن شكليًا؛ فالطرح بدا أكثر نضجًا نحو تحويل المشاركة النسوية من حضور رمزي إلى حضور تفاوضي في مسارات العدالة. هذا التحول يعكس وعيًا بأن العدالة لا تُختزل في التوثيق، بل تُصنع عبر دور فاعل في صياغة آليات المساءلة وجبر الضرر وإعادة بناء الثقة داخل المجتمع. وهو ما يشير إلى أن المرأة لم تعد تُقحم ضمن أجندة السلام من أجل استكمال الصورة، بل لأنها أصبحت عنصرًا مكافئًا لفكرة الاستقرار نفسه.

تكمن أهمية هذا التحليل في أن أي عملية سياسية مقبلة لن تنجح ما لم تضع المرأة في قلب معادلة الانتقال. الحلول التي تتجاوز منطق العدالة وتلجأ إلى المصالحة الشكلية تنتج فراغًا يُعاد ملؤه بأسباب الصراع. إدماج قضايا النساء في العدالة الانتقالية لا يمنح شرعية أخلاقية فقط، بل يمنح شرعية سياسية وقانونية لأن السلام لا يتأسس على التجاهل، بل على الاعتراف والمساءلة.

القمة النسوية الثامنة في عدن قدمت قراءة واضحة لهذا الواقع: أن استدامة السلام ليست ممكنة دون مقاربة قانونية تأخذ بالاعتبار تجارب النساء، ودون حضور نسوي فاعل في تصميم آليات الإنصاف. وهذا يجعل من القمة حدثًا يتجاوز حدود النقاش المحلي نحو تحديد مسارات مستقبلية للمشهد السياسي والحقوقي، ويضع المرأة في موقعها الطبيعي كشريك في تأسيس دولة القانون، لا كمستفيدة ثانوية في نهايات المسار.