د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):

هل نقرأ التاريخ وإذا قرأنا هل نفهم ؟!!

من يقرأ التاريخ ويستوعب أحداثه ومآلا ته لا شك أنه سيستلهم منه العبر والعظات شريطة أن يفهم دهاليزه وزواياه المظلمة!!
وليست قراءة التاريخ حكرا على النخب المثقفة فقط بل من المفترض أن يتقنها الساسة وصناع الرأي والقرار حتى يكونوا في مستوى الأحداث وا لتحولات الكبرى في بلدانهم !!
ولكن الأهم من ذلك كله هو استقراء المستقبل واستنتاج أحداثه خاصة من قبل الساسة وقادة المجتمع لأن هؤلاء إن لم يقرءوا التاريخ ويستوعبوا ما قرءوه سيكرروا نفس الأخطاء القاتلة مما سيتسبب في مآسي عديدة وكوارث ثقيلة لشعوبهم ،ومن ذلك ما حدث لهتلر فلو قرأ التاريخ جيدا ما كان جهز جيشا وأرسله إلى الاتحاد السوفيتي (روسيا ) ليموت هناك ولتكون بداية النهاية لجيشه !!
ولو أن علي سالم البيض ورفاقه قرءوا التاريخ الدموي لحكام اليمن من الإمامة إلى الجمهورية لما دخلوا معهم في الوحدة التي دمرت الجنوب !!
ولكن البيض ورفاقه وقد سكن وجدانهم حب السلطة وسيطر على أذهانهم رفض التصالح والتسامح مع رفاقهم بل ومع شعب الجنوب رغم أنه كان مستعد للتفاهم مع الرفاق وتجاوز خلافاته معهم إلا أنهم لم يتعلموا من التاريخ ، وتشبثوا بالحكم كالطفل الذي قال فيه الغوث التلمساني :
كعصفورة في كف طفل يضمها / تذوق سباق الموت والطفل يلعب
فلا الطفل ذو عقل يحن لما بها / ولا الطير ذو ريش يطير فيذهب
إن تجربة الرفاق الوحدوية الطائشة التي قفزت على كل التجارب المريرة تاريخيا التي لم يعرف فيها الجنوب أي وحدة طوعية لأنها لم تقم يوما بالتراضي أو على المصالح المشتركة بل كانت تتم قسرا بالضم والإلحاق متجاوزة كل التباينات في النظام الاجتماعي والسياسي والتراكمات التاريخية الدموية مما أدى إلى فشلها ليس مرة واحدة بل عدة مرات ، ولكن الذين لا يقرءون التاريخ محكوم عليهم أن يعيدوا الخطأ أكثر من مرة ،وأن يلدغوا من ذات الجحر ألف مرة !!
وقد استدعى النظام العشائري المتخلف في صنعاء التاريخ للطائفة الزيدية المذهبية والسلالة المتدثرة بعباءتها المسكونة بالتفوق وقد قالها المخلوع صالح ( با تقعون رجال وإلا أنا باكون آخر حاكم زيدي لليمن )!!
تماما كما استدعى هتلر التاريخ لدعم فكرته في تفوق الجنس الآري الأبيض عبر التاريخ على الجنس البشري ورغم بطشه بكافة الأعراق غير الآريه وخاصة اليهود والغجر ،إلا أنه نهض بالاقتصاد الألماني قبل الحرب العالمية الثانية ، ولكنه اندفع في توسيع حدوده لما يعرف بالرايخ الثالث على أساس استعادة لحقوق الرايخ التي سلبت منه في ظروف قاهرة ومؤامرات يهودية على مر التاريخ وهي نفس الحجة الواهية التي يدعيها النظام الكهنوتي العشائري في صنعاء عند التعامل مع الجنوب مع الفارق والبون الشاسع بين الرجلين والبلدين !!
وهو ذات الشيء لدى الحوثي الذي ما زال أحد سجناء التاريخ وهو يحاول منذ ثورة 26 سبتمبر عام 1962م وعبر سنوات من الحروب والدمار ...نفخ الروح في صنم الإمامة الزيدية ولو حتى بصيغة إيرانية لاستعادة الحكم الهاشمي في اليمن كما كانت منذ ألف عام متناسيا أن التاريخ لا يعيد نفسه حتى ولو عاد في غفلة من الزمن مآله الفشل الذريع !!
وهذه السلالة التي تفجر الأوضاع وتنشر الفتن اليوم في اليمن مثلها كمثل" تركيا "
وحكامها المتمسكون بأهداب التاريخ وعلى رأسهم" أردوغان " الذي لا زال يحلم بالإمبراطورية العثمانية التي غابت شمسها مخلفة له إرثا ثقيلا يعيقه عن النهوض
خاصة وهو لا زال حبيسا داخل جدران ووهم التاريخ الغابر، وهو نفس الوهم الذي حاول " الإخوان المسلمين "في مصر استدعاءه من زوايا التاريخ منذ عهد الرئيس عبد الناصر الذي حاول أن يحتويهم سياسيا ويقبلهم ، فقاموا بمحاولة قتلة ، ولم يقرأ الرئيس السادات التاريخ أو يفهمه عندما أخرج الإخوان من السجون واحتواهم سياسيا ليحارب بهم الشيوعيين المصريين ، فقام الإخوان بقتل السادات بواسطة تنظيم خرج من عباءة الإخوان أنفسهم!!
وهذا هو نفس الخطأ الذي ارتكبه علي صالح مع الحوثيين حتى تمكنوا من القضاء ليس عليه وحده بل على نظامه بالكامل.

وفى النهاية نعرف أن مسألة عدم الاستفادة من التاريخ هي صفة في كل البشر ولا تقتصر على جنسية معينة ، فكروا معي ، وستجدون حياة الرؤساء والشعوب ، والعالم كله مملوءة بمن لا يقرءون التاريخ ، وان قرءوه لم يفهموه ، وان فهموه لم يعملوا به !!
د. علوي عمر بن فريد