د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):

السلاطين ووحدة الجنوب (4-4)

كان أغلب السلاطين في الجنوب بسطاء يجالسون العامة والخاصة من أبناء الجنوب وكانت مكاتبهم وبيوتهم مفتوحة للجميع يستقبلون الجميع حتى في الأماكن العامة وقت فراغهم .. ويتبسطون معهم في الحديث وسرد القصص والحكم والشعر ولا يخلو حوار الطرفين من الرمزية والتلميحات والإيحاءات والألغاز المبطنة والنقد الساخر منهم علانية هم ومن في كمهم في تلك الأيام ويرفعون الكلفة والحواجز معهم حتى يصل الأمر أحيانا أن ينادونهم بأسمائهم دون ألقاب... ويتقبلون منهم الانتقادات بصدور رحبة ونفوس طيبة لا يغضبون ولا يشكون ولا يتذمرون !!
خلاف من حكم بعدهم إذا عطس المواطن في منزله يخشى أن يستدعى قبل شروق الشمس ليسجن ويحكم عليه بالتهمة التي يفصلونها عليه مقابل العطسه في منزله كيف لا والجدران لها آذان تسمع إبان الحكم الماركسي البغيض !!
عموما لا مجال للمقارنة بين هذا وذاك بين أحلام السلاطين وسطوة الشياطين واليكم هذه القصة الواقعية :
في عام 1965م, قام الشريف حسين بن أحمد الهبيلي وزير الداخلية الاتحادي وشريف بيحان بزيارة ودية إلى مشيخة العوالق العليا ونزل ضيفا عند آل فريد وفي المساء أٌقيمت وليمة كبرى للضيف الزائر ومرافقيه في قصر الأمير عبدالله بن محسن بن فريد في الحيد لسود, حضرها أعيان ومشايخ القبائل, ومنهم الشيخ محمد بن أحمد بن طالب الخليفي, المعروف بحكمته وضربه الأمثال والقصص وإسقاطها على واقع الحال تلك الأيام فيما يجري, وفيما القوم يتسامرون ويتبادلون الأحاديث, وجه الشريف حسين كلامه إلى الشيخ بن طالب قائلاً: سمّرنا يابن طالب هات ما عندك ؟؟!!
!!فرد عليه بن طالب: أنا ماعندي شي أقوله ..
قال الشريف: والله ما لك عذر من الحديث فيما يجري الآن..
قال بن طالب: وأنا في وجه من؟ وكان ينظر إلى الشيخ فريد بن محسن نائب الأمير !! فقال له الشريف: في وجه الأمير عبد الله وفي وجهي .. !! وهو يعرف أن بن طالب لن يقبل بوجه الشيخ فريد بن محسن!! ..

وبدأ حديثه بهذه القصة وقال: دخل "شرمد" وهو أحد الفلاحين في منطقة "آل محمد" بالعوالق - دخل إلى سوق المصينعة عصراً, وتأخر في شراء ما يلزمه من السوق حتى غابت الشمس وحل الظلام وكانت تلك الليلة مظلمة حالكة السواد, وعندما وضع أغراضه على "الحامله" عزم على العودة إلى قريته التي تبعد عن المصينعة عدة كيلومترات, إذ وجد مجموعة من أصحابه الفلاحين ينوون العودة إلى نفس القرية من آل أبو غاسقة, يحملون أغراضهم على أكتافهم وهم جميعاً مصابون بالجهر أو ما يعرف بالعشى الليلي, وشرمد يعاني من نفس المشكلة !!
فقالوا له: ما العمل يا شرمد ؟.. كيف سنعود إلى القرية في هذا الظلام الدامس , ونحن لا نرى ؟ فقال لهم شرمد: لا عليكم عندي الحل قالوا : وما هو ؟ قال: أنا سأقبض بذيل الحاملة وهي تعرف الطريق , وأنتم كل واحد منكم يقبض بحزام من هو قبله والحاملة تعرف الطريق إلى القرية وبهذه الطريقة سنصل سالمين جميعاً.
فاستحسن القوم فكرته ونفذوا ما قال لهم, وقبض "شرمد" بذيل الحاملة والآخرون كل قبض بحزام من قبله وعددهم حوالي 7 أشخاص, وسارت بهم الحاملة, وبعد حوالي 45 دقيقة إذا بهم يشمون روائح كريهة ولم يتبينوا أين هم ؟ وعندما أخذت "الحمارة" تدور في المكان والرائحة تزيد عرفوا أنهم وصلوا القرية, ولكن "الحمارة" أدخلتهم "المخوال" أكرمكم الله .. أي تحت حمام أحد منازل القرية!!
وهنا ضج الحاضرون في مجلس الأمير بالضحك وزاد اللغط .. فقال الشريف حسين لابن طالب: نبغاك تفسرها لنا ؟
فرد بن طالب: لا أعلم .. هذه مجرد قصة!! .
فقال الشريف: فسرها وأنت في وجهي ووجه الأمير عبد الله.
فقال بن طالب: ولي الأمان من الشيخ فريد بن محسن؟
قال الشريف: ولك الأمان.
فقال بن طالب: أما شرمد فهو أنت يا شريف حسين, وأما القوم من آل بو غاسقة فهم السلاطين في حكومة الاتحاد .. وأما الحاملة أو "الحمارة" فهي بريطانيا, وقد تمسكتوا بها حتى أدخلتكم المخوال!!
وضج القوم بالضحك ....رحم الله الشيخ فريد بن محسن والأمير عبد الله والشريف حسين والشيخ محمد أحمد بن طالب الخليفي فقد كانوا ونعم الرجال عاشوا في زمن تكالبت عليهم المؤامرات من كل مكان حتى من أقرب حلفائهم و لم يستمع لهم أحد رحلوا بعزة وشرف من بلادهم ولكن التاريخ سينصفهم بعد أن ظلمواّ!!
أوردنا لكم هذه القصة الواقعية والتي تحمل نقدا مبطنا لحكم السلاطين وكانوا يتقبلونه بصدور رحبة ومنشرحة ..أما من جاء وحكم بعدهم لا يقبل إلا الهتافات والتصفيق والشعارات الكاذبة ، والويل لمن انتقد الرفاق أو حتى حاول نصحهم فمصيره إما خنقا في ليل مظلم بحبل صيني أو رصاصة في قلبه وإخفاء جثته وفي أحسن الأحوال تركها على قارعة الطريق أو رمي جثمانه في بئر مهجورة !!
هكذا كان يفعل الرفاق حتى مع من يداعبهم أو يحاول أن يضرب لهم الأمثال !!
وختاما هذا هو الفرق بين السلاطين والشياطين!!
د. علوي عمر بن فريد