د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):

عندما تكثر أعمال السرقة والنهب والقتل وتتراجع القيم والأخلاق !! (1)

يتحفني صديقي المثقف يبن الحين والآخر ببعض القصص الواقعية وطرائف القول مما يحفزني على إسقاطها على الواقع المر الذي نعيش فيه في هذه الفترة العصيبة من تاريخ العرب عامة واليمن خاصة ثم أعيد صياغتها في مقال أوحوار الموضوع الأول عن "السرقة "!!
والثاني عن "القتل "!!
قال صديقي :
نحن نهتم ببناء المساجد ونبالغ في جمال عمارتها و نستورد لها أفخم أنواع الرخام ونغطي به العمدان ونكسو به الأرضيات ونقوم بزخرفة ونقش الجدران بالفسيفساء والحفر على الخشب وتطعيمها بالصدف والزجاج المعشق والألوان الذهبية والفضية ونجلب لها أمهر الصناع والحرفيين ونعلق فيها أغلى الثريات ونفرشها بالسجاد الفاخر وكل هذه الأعمال جيدة ويؤجر عليها مصداقا لقوله تعالى :
إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ ۖ فَعَسَىٰ أُولَٰئِكَ أَن يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (18)سورة التوبه.
ولا شك أن ذلك يندرج في أعمال الخير والإحسان وثوابه عند الله كبير مصداقا للآية الكريمة ،وقد يصل عدد المساجد في بعض مدن الدول العربية إلى أكثر من 60 ألف مسجد وربما أكثر ولا يرتادها إلا القلة لأداء الصلاة ولكن البعض منهم يصلي وهو يراقب حذائه لكي لا يسرق منه .. والغريب أنها توجد لوحات على أبواب بعض المساجد كتب عليها (راقبوا أحذيتكم ) وهذا يعني أننا في بلاد فيها تدين كبير وفي الوقت نفسه فساد كبير!!
قلت له :
في مساجد دمشق هناك ظاهرة جميلة حيث لاحظت وجود رفوف على مدخل كل مسجد فيها صناديق بمفاتيح خاصة لها بحيث يضع المصلي حذائه داخلها ويأخذ مفتاح الصندوق معه ثم يستعيده بعد الصلاة !!
قال لي :
ولكن أنظر للجانب المظلم في دمشق بل في كل سوريا ؟؟!!
قلت له سنتطرق إلى ذلك في الحلقة الثانية والآن أنظر إلى
المفارقة العجيبة لدينا عجز كامل في بناء المدارس وإهمال المنظومة التعليمية بالكامل ،ففي اليمن يدرس مئات الطلاب تحت الأشجار ويجلسون على الأرض وفي أغلب الأحوال لا تتوفر لهم حتى الكتب المدرسية !!
وكذلك كثير من الناس يسكنون في مباني الصفيح ولا تقيهم حرارة أو برودة الطقس والمطر ،والسؤال الذي يطرح نفسه هو : من السبب: هل العيب في المنظومتين التعليمية والاجتماعية ؟ أم هي الأسرة والأخلاق السائدة في الشارع التي ينسى الناس أنها ليست موضوعا دينيا أصلا ؟!!
قلت له:
ليت الأمر يقتصر على سرقة الأحذية فهناك كبار اللصوص الذين يسرقون الأراضي وممتلكات الناس بالقوة القهرية وتسود مظاهر الاستقواء ويمارسون البلطجة في غياب الدولة والقانون !!
ولا يعفي المجتمع هذه الممارسات حتى في حالة الحرب .. نحن في حالة حرب يا صديقي..وليس الخطر من المطر أو من الشمس بل من القنابل وهؤلاء المتحاربون يراهنون على ضعف المواطن وعدم احتماله للحرب وهو ضحيتها الأول الذي يدفع الثمن !!
قال لي :
بلا شك أن الأخلاق مهمة جدا وقد لا تكون مرتبطة بالدين ونجد أن أهم المؤلفات في تاريخ الفكر الإنساني عن الأخلاق ألفها الفلاسفة وليس الفقهاء ..وهذا يعني أصلاح العقل وليس الترهيب بالنار والترغيب بالجنة !!
ومن ذلك تعليم الناس أن يعملوا الخير لكي ينالوا الجزاء والأجر والثواب من عند الله وعلينا أن نعلمهم تجنب أعمال الشر لكي يخافوا من العقاب .. وبالتالي لن نحصل إلا على أناس انتهازيين ومنافقين ..ولكن علينا أن نغرس فيهم قيم الخير من أجل الوطن والإنسان .
وهناك العديد من التصرفات ألامسؤولة كإلقاء الزبالة في الشارع بلا مبالاة ومن يمارس هذا السلوك الخاطئ يناقض نفسه عندما ينظف بيته قبل أن يخرج إلى الشارع ويحمل الزبالة ويلقيها في الشارع غير مبال بتشويه الشارع ولو كان أمام بيته !!
قلت له :
إذن المشكلة في فقدان الوعي والسلبية داخل نفسه وهو يعلم أن الشارع ملك للجميع .
قال :
الإصلاح لن يتم بالوعظ الديني لأنه موجود في الإذاعات والتلفزيون والمساجد والكل يقدم المواعظ ..ولكن المشكلة تكمن في السلوك والتفكير وليس في التدين .
ويمكن أن يكون تدين كبير ويصاحبه فساد كبير..ويمكن أن يكون هناك تدين مع أناس صالحين خاصة إذا أصلحنا طريقتهم في التفكير ..وإذا ركزنا على الإنسان وأعطيناه الأولوية !!
ويعاني الكثير من المصلين في الجوامع الكبيرة، وخصوصا المساجد التي تقام فيها الصلاة على الجنائز أو في الأعياد من كثرة اللصوص الذين يستغلون كثرة الزحام والأعداد الكبيرة من المصلين من تعرض ممتلكاتهم الشخصية للسرقة أثناء الزحام . فتجد اللص يصطاد الأشخاص قبل إقدامهم على الخروج ومن ثم يقوم بمتابعتهم لحين قربهم من باب الخروج والذي يزداد في الزحام ويكون الشخص مشغولا باله بأن يكون أول الخارجين، وذلك بسبب تعجله ، أو الخروج من أجل الاستفادة من المعروضات التي تكون عادة في الساحات!!
وذكر أحد المصلين موقف آخر حدث له وهو ذاهب إلى المسجد لأداء الصلاة. ورغم اللافتة التحذيرية الموضوعة على باب المسجد إلا انه لم يهتم بها على اعتبار أن بيوت الله آمنة وأن أحدا لن يسرق من مثل هذا المكان المقدس. واعتبر أن وضع اللافتة التحذيرية كان مجرد تحذير لا لزوم له. وعند خروجه من المسجد حدثت المفاجأة، ولم يجد حذاءه الجديد. وعندما غادر بقية المصلين المسجد وجد حذاءا قديما بدلا من حذاءه الجديد!!
قلت له :.
المفترض أن الصلاة تربى الإنسان المسلم وتعوده على قيم الصدق والأمانة إلا أن بعض أصحاب النفوس الضعيفة تسول لهم أنفسهم استغلال بيوت الله في السرقة. وهو ما يؤدى في النهاية إلى تشتيت انتباه المصلين، ويجعل تفكيرهم منصبا في الحفاظ على متعلقاتهم بدلا من التركيز في الصلاة، والخشوع فيها!!
قال :
فشلت التحذيرات المتكررة وفشلت سبل الوعظ و الإرشاد في منع هذه الفئة الضالة من ارتكاب عمليات السرقة داخل المساجد وعلى أبوابها، فإنه وعلى ما يبدو لن يتبقى أمامنا إلا أن نقول لهم ما قاله جد النبي صلى الله عليه وسلم عندما استغرب أبرهة طلبه الوحيد أن يرد إليه ممتلكاته، دون أن يطلب منه التراجع عن هدم الكعبة حيث قال له قولته المأثورة: "للبيت رب يحميه"!!
قلت له :
إذن انتظر مقالي عن القتل والاغتيالات في اليمن وقارن أيهما أكثر بلاء السرقة أم القتل ؟؟!!.
إلى اللقاء في الحلقة الثانية
د. علوي عمر بن فريد