مصطفى حمزة يكتب:

التاريخ الدموي للإخوان (1)

لا يمكن الحديث عن التاريخ الدموي للإخوان المسلمين إلا بعد معرفة النظام الخاص ونشأته؛ حيث يمكن التأريخ لبداية دخول الجماعة في معترك العنف مع نشأة هذا النظام، الذي يعرف بـ«النظام السري»، والذي أسسه حسن البنا في نهايات عام 1939م، وبدايات 1940م، وكان الهدف المُعلن منه وقتها مقاومة الاحتلال الإنجليزي، وجلاء الإنجليز عن مصر، ولم يكن من بين أهدافه القيام باغتيالات، أو أعمال عنف ضد مسلمين أو مصريين، ولكن المبالغة في السمع والطاعة العمياء لقادة النظام ورطت أعضاءه في جرائم عنف دموية، لا تزال الجماعة تُعاني من آثارها وتبعاتها حتى الآن، بل وتكررها على نطاق أوسع.
 
ويتم اختيار أعضاء هذا النظام من بين أعضاء الجماعة، على أساس الإخلاص لدعوة الإخوان والولاء لقيادتها، والسمع والطاعة في المنشط والمكره، والاستعداد للبذل والتضحية بالنفس والمال، وكانوا يقومون في السابق بـ«التدريب على الأعمال الشاقة، وتوزيع المنشورات، والتخاطب والتراسل بالشفرة، واستعمال الأسلحة، وكتمان السر»؛ حسبما ذكره محمود عبد الحليم في كتابه (الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ) الجزء الأول صـ 289، ومع مرور الزمن واكتساب الجماعة عوامل قوة أكبر من ذي قبل، طورت من نظامها الخاص لتصل مهامه الحالية إلى استهداف الأنظمة الحاكمة والمنتمين لها واغتيال أسرهم.
ووصل التنظيم القديم قبل التطور التكنولوجي الراهن لتصنيع المتفجرات في ورش خاصة به، وتصديرها بقليل من الإمكانيات، مثل قطن البارود، وساعات التوقف، التي تستخدم في التفجير عن بعد، ونجح في تصديرها إلى فلسطين، عن طريق عبد القادر الحسيني، أحد القيادات الفلسلطينية في الخمسينيات (توفي أبريل 1948م).
وكان النظام ينقسم إلى جناحين، أحدهما مدني مكون من الطلبة والعمال والموظفين، يقودهم مجموعة الخمسة (صالح عشماوي، وحسين كمال الدين، وحامد شريت، وعبد العزيز أحمد، ومحمود عبد الحليم) الذين اختارهم البنا كمشرفين على اختيار الأعضاء وتدريبهم على الجهاد المزعوم، وكان الأخير أكثر القادة نشاطًا خاصة بين الوسط الطلابي، أما الجناح العسكري فكان يضم الضباط الذين التفوا حول البنا منذ بداية الأربعينيات، متأثرين بفكر الجماعة ومواقفها، وقد أوكل البنا قيادة هذا التشكيل العسكري عام 1944 إلى الصاغ محمود لبيب لمتابعة ضباط الجيش، وصلاح شادي لمتابعة ضباط البوليس.
وقد مر النظام الخاص بنقطة تحول مهمة في تاريخه، وهي تولي عبد الرحمن السندي مهام القيادة خلفًا لمحمود عبد الحليم الذي التحق بوظيفته بدمنهور وابتعد عن القاهرة، فسلم القيادة للسندي الذي وقعت في عهده أغلب عمليات العنف الدموية التي أدانت جماعة الإخوان.
العنف عند الإخوان مقدس، بمعنى أنه واجب ديني ضد المخالفين لعقيدة الجماعة أو المحاربين لها، ويستدلون على قدسية العنف بآيات من القرآن بعد أن قطعوها من سياقها الزمني وأسقطوها على واقع مغاير لتبرير جرائمهم، ولذا عندما يزعم قادتهم تطليق العنف، وحل النظام الخاص، مثلما حدث في عهد المرشد الثاني للجماعة حسن الهضيبي، فيكون طلاقهم للعنف حينها طلاقًا رجعيًّا، أي أنهم يرجعون إليه عند اللزوم.
والدليل على ذلك أن النظام الخاص أو التنظيم السري لجماعة الإخوان الإرهابية لم يحل يومًا، وإنما ظل موجودًا في الخفاء، يعمل في جحور كالأفاعي تحت الأرض، تنتظر الفرصة المواتية لتطل برأسها القبيحة وتبث سمومها القاتلة، وقنابلها الحارقة في نحور أبناء الوطن من الذين يموتون يومًا بعد يوم في سبيل تخليص مصر وشعبها من إرهاب هذه الجماعة.
فمهما تغير اسم التنظيم الخاص أو تغيرت كوادره وقادته فلابد أن يظل موجودًا في كل وقت ليكون الذراع العسكرية للجماعة إرهابية تمتلك أذرع أخرى سياسية كالبرلمان والرئاسة مثلما كان الحال في مصر قبل سقوطهم، وأذرع دينية كالمساجد والجمعيات الخيرية، أما أذرعه العسكرية فتمثلت في جماعات وحركات كثيرة خلال السنوات الأربع الماضية، أبرزهم حركة حسم، ولواء الثورة وكتائب حلوان وحركة مولوتوف وغيرها من الكيانات والأذرع الإرهابية التي تندمج وتنشطر لتخفي هويتها الإخوانية، ولكن الله يفضحها في كل حين.
*** نقلًا عن الأهرام المسائي