أزراج عمر يكتب:
أحزاب إسلامية تعيد إنتاج سلوك النظام الجزائري
ماذا يعني عرض عدد من رؤساء الأحزاب الإسلامية المدعوة بالمعارضة لخدماتها على الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، وفي المقدمة حزب حركة مجتمع السلم برئاسة عبدالرزاق مقري الذي أعلن هذا الأسبوع، جهارا، أنه في خدمة الرئيس عبدالمجيد تبَون، وماذا يريد من وراء تنصله التدريجي من الحراك الشعبي الذي كان يعتبر حزبه من قبل جزءا منه؟ وكيف نفهم مقاصد حزب حركة البناء الوطني بزعامة عبدالقادر بن قرينة الذي يعترف بالرئيس تبون ويترك أمر المشاركة في الحكومة مفتوحا حسب التصريح الذي أدلى به هذا الأسبوع لوسائل الإعلام الجزائرية وقال فيه “قرار المشاركة أو عدم المشاركة سيتخذه مجلس الشورى الوطني بعد العرض إذا كان؟”. ثم لماذا يتحدث بن قرينة عن ولائه للحراك الشعبي، في الوقت الذي يرأس حزبه البرلمان (الغرفة السفلى) الذي هو برلمان تابع للنظام الحاكم ومعظم تشكيلته البشرية من إفراز مرحلة الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة وعصابته؟
من الملاحظ أن هذه التناقضات تجعل المحلل السياسي في حيرة من مواقف الأحزاب المذكورة أعلاه وأحزاب أخرى قد تعودت على تصنيف نفسها ضمن قطب المعارضة المتشظي، ولكنها في حقيقة الأمر ترتمي باستمرار، وبأشكال مختلفة، في أحضان النظام وخاصة بعد النأي بنفسها مؤخرا عمّا تدعوه بـ”تطرف الحراك الشعبي”، وبعد عجزها عن تحمل مسؤولياتها لمقاومة مسار الانتخابات الرئاسية التي مرَرها النظام.
اللافت للنظر هو أنَ رئيس حزب حركة مجتمع السلم (حمس) عبدالرزاق مقري، قد أدهش المواطنين الجزائريين بتصريحه الذي أكد فيه هذا الأسبوع أنه لم يتلقَّ أيّ دعوة من السلطة بخصوص تشكيل الحكومة الجديدة، ورغم ذلك فقد أبدى استعداد حزبه للمشاركة في الحوار مع السلطة نفسها.
محمد السعيد بلعيد المنحدر من منطقة القبائل الكبرى لم يتخذ يوما كوزير أو كرئيس حزب أو كدبلوماسي أيّ موقف نقدي ضدَ تلاعب النظام الجزائري بقضية الهوية الثقافية واللغوية الأمازيغية
ذكَر هذا الموقف، لعبدالرزاق مقري، الرأي العام الجزائري بصفقة التحالف الرئاسي القديمة التي أوصلت حزبه إلى هرم السلطة من خلال انضمام أبوجرة سلطاني إلى الحكومة التي شكلها الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، الأمر الذي ورَّط حزب حركة مجتمع السلم في لعبة بيع مبادئه الهشة، وقد أدى ذلك إلى إضعاف المعارضة وتقسيم صفوف التيار الإسلامي ونفخ الحياة في أحزاب الموالاة التي تعتبر الواجهة الحقيقية للنظام في الجزائر.
في الواقع فإن حزب حركة البناء الوطني برئاسة بن قرينة، وحزب الحرية والعدالة برئاسة محمد السعيد بلعيد لا يختلف سلوكهما عن سلوك النظام الجزائري إلا في التلاعب بمفردات التصريحات، أما من حيث الأفعال فكلاهما يصطفّ إلى جانب السلطة.
على أساس ما تقدم يمكن القول إن حزب حركة البناء الوطني يعيد، بهذا الشكل إنتاج سلوك النظام الحاكم رغم المساحيق التي يحاول أن يغطي بها وجهه، والدليل على ذلك هو انقضاضه على رئاسة الغرفة السفلى من البرلمان بإيعاز وتزكية من السلطة القائمة. علما أن ذلك قد حدث في لحظة درامية تتمثل في احتدام الصراع بين الحراك الرافض لبرلمان عهد بوتفليقة، وبين الفصيل المتبقي من ترسانة النظام الجزائري الذي انفرد، بعد تنحية بوتفليقة وعصابته، بالسلطة والتحكم في دواليب مختلف مؤسسات وأجهزة الحكم.
أما حزب الحرية والعدالة ذو التوجه الإسلامي فهو بمقياس الأثر الرجعي حزب وزير خارجية الجزائر السابق أحمد طالب الإبراهيمي، وبالتالي فإن سلوكه يحتّم علينا أن نميّز بين ماهية الحزب المنافس على الحكم ضمن منطق ذلك النظام الحاكم نفسه، وبين ماهية الحزب المعارض لخيارات ومواقف وسلوك و بنية النظام الحاكم العميقة جملة وتفصيلا، ولكن لحزب الحرية والعدالة أهمية مضمرة يعوّل عليها النظام الجزائري وتتمثل تحديدا في كونه يوظف ليساهم على نحو غير مباشر في خلط أوراق التيار الإسلامي في المشهد السياسي الجزائري حينا، وفي انشطار التكوين “الهجين” لعائلة الإسلاميين، ودعم بروتوكولات نسيان ذاكرة الإسلاميين لما حدث لهم من تهميش وبطش على أيدي النظام الجزائري نفسه في الماضي القريب.
رئيس حزب حركة مجتمع السلم عبدالرزاق مقري أكد في تصريح أنه لم يتلقَّ أيّ دعوة من السلطة بخصوص تشكيل الحكومة الجديدة، ورغم ذلك فقد أبدى استعداد حزبه للمشاركة في الحوار مع السلطة نفسها
في هذا السياق تنبغي إضاءة زاوية مهمة أيضا وهي أن محمد السعيد بلعيد المنحدر من منطقة القبائل الكبرى لم يتخذ يوما كوزير أو كرئيس حزب أو كدبلوماسي أيّ موقف نقدي ضدَ تلاعب النظام الجزائري بقضية الهوية الثقافية واللغوية الأمازيغية وبطشه بها أثناء الصراع العنيف الذي خاضه الأمازيغ ضد هذا النظام نفسه، جرَاء تنكره لهذه الهوية وطمسها على مدى سنوات طويلة حتى تم القبول – على مضض – بالبعد الثقافي واللغوي والتاريخي الأمازيغي كركن من أركان الشخصية الوطنية الجزائرية وسجل ذلك رسميا في الميثاق الوطني المعدل في ثمانينات القرن العشرين.
وأكثر من ذلك فإن محمد السعيد بلعيد الذي عينه الرئيس عبدالمجيد تبون مؤخرا في منصب الوزير المستشار والناطق الرسمي لرئاسة الجمهورية، قد شغل سابقا مناصب عليا كثيرة، كما تولى منصبي وزير الخارجية ووزير الإعلام في عهد بوتفليقة الذي يعده النظام الراهن ويعد من عمل معه معيارا للفساد والطغيان.
إن هذه الظواهر السلبية التي تنخر عددا كبيرا من الأحزاب والشخصيات السياسية في المشهد السياسي الجزائري تؤكد أنَ الجزائر ما تزال غارقة في الأزمة الأخلاقية التي ما فتئت تطبع ذهنية الممارسة السياسية منذ سنوات طويلة.