د. عيدروس النقيب يكتب:

عينة من فضائح الدبلوماسية اليمنية

تداول ناشطو التواصل الاجتماعي مقطع فيديو ظهر فيه الملحق العسكري اليمني في تركيا وهو يقدم فترتي الاحتلال العثماني لليمن على إنهما فترتي نهضة عمرانية وعلمية وطبية وأكاديمية فريدة وقد أثارت الأقاويل التي أوردها الرجل ردود أفعالٍ ساخطة لدى الكثير من المواطنين وعلى وجه الخصوص الناشطين السياسيين والأكاديميين والمؤرخين، حينما تحدث الرجل عن جامعات ومستشفيات وشبكة طرقات و” كل شيءٍ جميل في بلادي” (كما قال) بناه العثمانيون خلال فترتي احتلالهم لليمن، وهو ما أثار انزعاج الكثيرين ممن يعرفون جيداً مساوئ الاحتلال العثماني لكل البلدان التي ابتلاها الله به، ومنها اليمن.

لن أخوض طويلا في تعداد تلك المساوئ ولن أدخل في جدال مع الذين ينظرون للحكام العثمانيين على إنهم كانوا خلفاء رسول الله، فتلك قضايا تتصل بالموقف الأيديولوجي لكل صاحب رأي، كما لم أكن أود حتى مناقشة هذا الهراء لأنه قد اتخذ حقه من الرد من قبل المتخصصين والأكاديميين، لكن ما دفعني لهذا الحديث امران:
الأول إن المتحدث ليس فقط ناشطاً حزبياً ولا كاتباً صحفياً ولا أحد نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، بل إنه شخصٌ ذو صفة دبلوماسية يتحدث باسم الحكومة اليمنية الشرعية التي ما تزال مناهجها التعليمية الابتدائية والثانوية وطبعا الجامعية تسمي الوجود العثماني في اليمن “بالاحتلال العثماني” وهو احتلال لم يحصل لليمن فقط بل شمل عشرات البلدان في آسيا وأوروبا وأفريقيا وجميعها تسميه احتلالاً.

الثاني هو ما تلى تداول التعليقات والكتابات الصحفيةالساخطة على محتوى الفيديو وصاحبه على بعض مواقع التواصل الاجتماعي ومنها بعض مناقشاتي الشخصية، من ردود أفعال متشنجة وهستيرية من قبل بعض الزملاء الناشطين والقادة الإصلاحيين الذين اعتبروه تشنيعا وتشهيرا وشحنا وتعبئةً ضد الإصلاح.

يعرف الجميع أن المتحدث (الملحق العسكري في تركيا) هو السكرتير السابق لقائد الفرقة الأولى مدرع ونائب رئيس الجمهورية الحالي الفريق علي محسن، وهو يمثل ذراعه الأيمن وقد حظي بعدة قفزات منذ تولي الأخ علي محسن منصب نائب الرئيس منها أنه كان عضو فريق التفاوض مع الحوثيين ورئيس إحدى اللجان المتخصصة، ومن غير المستبعد أ، يرقى إلى منصب أعلى، وجاء تعيينه ملحقا عسكريا في إطار تحزيب السفارات والبعثات الدبلوماسية والاستحواذ الذي تتعرض له منذ سنوات، وبالتالي فما يقوله لا يحسب عليه شخصيا بل وعلى الاتجاه السياسي والفكري الذي يمثله، وهو ما أغضب الزملاء الإصلاحيين وأثار حميتهم ولم تثر حميتهم وغضبهم تلك الترهات والتلفيقات الواردة في حديث صاحب التصريح.

مثل كل الأصعدة التي تعرضت للسطو والهيمنة الحزبية ولا تمتلك موقفا ولا رؤيةً ولا حتى تصوراً موحدا لعملها، يمثل موقف الدولة اليمنية (المفترضة) فإن البعثات الدبلوماسية تعاني من نفس العشوائية والتحزيب وأدلجة المواقف فصار السفير أو الملحق أو القنصل أوالدبلوماسي عموماً لا يتمثل نهجاً سياسيا ولا ثقافةً ديبلوماسيةً تضع مسافةً ولو محددة بين ميوله ورغباته وقناعاته الأيديولوجية والحزبية أو الشخصية وبين موقف الدولة التي يعبر عنها، ولذلك لا نستغرب أن نسمع شيئا من مبعوث دبلوماسي معين ونقيضه من مبعوث آخر والكل يتحدث باسم الدولة اليمنية (الشرعية ) (المفترضة)

قلت لأحد الزملاء الذين أغضبتهم بعض الكتابات الساخطة من حديث الملحق العسكري: لو طلب رأيي لاقترحت استدعاء الرجل وإحالته للمساءلة وإعفاءه من هذه المهمة الحساسة، لأنه افتقد في حديثه لأبسط مفردات اللغة الدبلوماسية ناهيك عن إيراده لأحداث لم تحصل ومنجزات لم تحقق وجمائل لا وجود لها، وتحدث وكأنه وكيل شركة تجارية تروج لبضاعة تعرضت للكساد في سوق المنافسة فجاء ليحاول إنقاذها من الإفلاس.