أزراج عمر يكتب:
الجزائر.. النظام يحاور نفسه
لماذا تجهض الانتفاضات الجزائرية باستمرارية ويسرق حلم التغيير من الشعب الجزائري؟ وهل يمكن للمشاورات الجارية حاليا داخل أروقة النظام الحاكم، ومع نفسه فقط ووفق منطقه السلطوي، أن تؤدي إلى حل أزمة الشرعية أم أن هذه الترقيعات لن تنتج سوى الأزمات تلو الأخرى؟ في هذا السياق يرى المراقبون للمشهد السياسي الجزائري المعقد أن المشاورات التي شرع في إجرائها الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون ترمي إلى تجديد النظام الجزائري بعد الهزة العنيفة التي أحدثها الحراك الشعبي في بنية السلطة الحاكمة.
ظاهريا تبدو اللقاءات التي عقدها خلال هذا الأسبوع الرئيس عبدالمجيد تبون بمثابة انفتاح رئاسة الجمهورية على الفاعلين في المشهد السياسي الجزائري بعد التخلص من الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة وبعض أفراد شلته الفاسدة، ولكن ما يحدث الآن هو في الواقع شيء مختلف تماما، ولذلك ينبغي إبراز الأهداف الحقيقية للمشاورات التي أجراها الرئيس الجزائري حتى الآن وينوي مواصلتها بخطى حثيثة.
عمليا فإن هذه المشاورات لم تكن مع أقطاب المعارضة الحقيقيين وفي المقدمة المجتمع المدني المستقل والحراك الشعبي، وإنما مع فلول النظام الحاكم التقليديين أمثال أحمد طالب الإبراهيمي وعبدالعزيز رحابي ومولود حمروش وأحمد بن بيتور، وبعض الأحزاب المحسوبة على المعارضة والتي هي في حقيقة الأمر مجرد ظل باهت للنظام الحاكم، والدليل على ذلك أن حزب حركة مجتمع السلم (حمس) قد فقد صوته المعارض بعد وفاة مؤسسه محفوظ نحناح وسيطرة مجموعة من عشاق الحقائب الوزارية عليه أمثال الشيخ أبوجرة سلطاني الذي لعب دورا مفصليا في عقد صفقة زواج حزب حمس بأحزاب الموالاة، في إطار ما كان يسمى بصفقة التحالف الرئاسي لصالح الرئيس بوتفليقة العائد من منفاه في ذلك الوقت.
إذا فتحنا سجل كل واحد من هؤلاء الذين قام الرئيس تبون باللقاء التشاوري معهم لعرفنا أنهم جميعا من رجال النظام الذي لم يتعارضوا مع أسس خياراته وسياساته وإنما مع شخص الرئيس السابق بوتفليقة كما نقدم الآن بعض الأمثلة لتوضيح هذه القضية. أحمد طالب الإبراهيمي الذي شغل مناصب مفصلية في الدولة الجزائرية هو ابن للنظام الذي حكم ولا يزال يحكم الجزائر منذ الاستقلال إلى يومنا هذا، ورغم هذا ينبغي عدم التغطية على تاريخه النضالي السابق أيام حركة التحرر الوطني الجزائري كابن لرئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائرية ومناضل سجنته فرنسا الاستعمارية.
ومن المعروف أيضا أن خلاف أحمد طالب الإبراهيمي مع عبدالعزيز بوتفليقة له أسباب تتعلق جوهريا بالطموح السياسي والمنافسة على الحكم، وليس بسبب المبادئ التي يشتركان فيها مثل الانتماء إلى حزب جبهة التحرير الوطني الذي يعتبر عماد النظام الجزائري الحاكم إلى جانب الجيش وجهاز الأمن.
وفي هذا السياق يمكن لنا رصد بعض الأسباب الأساسية التي خلقت التنافر بينهما منها مثل سباقهما المحموم لكسب ود الرئيس الراحل هواري بومدين عندما كانا عضوين بارزين في الحكومتين التي شكلهما عام 1965 وعام 1970، أما في مرحلة ما بعد بومدين فقد تعمق التناقض بينهما جراء طرد بوتفليقة من الحكم بشكل درامي وبقي الإبراهيمي عضوا بارزا في الحكومة التي تشكلت في عهد الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد وفي صدارة قيادة حزب جبهة التحرير الوطني.
أما بخصوص مرحلة ما بعد العشرية الدموية فإن نشوب الصراع بينهما كان على منصب رئيس الجمهورية، خاصة عند انسحاب الإبراهيمي من الانتخابات الرئاسية بمجرد أن أدرك أنه ليس مرشح الجيش والمخابرات كما كان حال بوتفليقة. على أساس هذه الخلفيات فإن تصنيف الإبراهيمي ضمن المعارضة غير مطابق للواقع.
والشيء نفسه ينطبق على رئيس الحكومة السابق مولود حمروش الذي التقى بالرئيس تبون هذا الأسبوع للتشاور معه بخصوص الأزمة السياسية القائمة. علما أنه كان قد رفض من قبل الترشح للرئاسيات التي اعتبرها غير شرعية، فضلا عن دعمه الرمزي للحراك الشعبي دون أن يلتزم هذه الأيام بمطالبه الأساسية وفي مقدمتها عدم التحاور مع النظام الحاكم قبل إطلاق معتقلي الحراك الشعبي من السجن، ورفض الحكومة المعينة مؤخرا لأنها غير منتخبة شعبيا وغير مزكاة من طرف برلمان منتخب أيضا.
أما إجراء الرئيس تبون للمشاورات مع حزب جيل جديد فيدخل في تقدير المحللين السياسيين في إطار خلط الأوراق، خاصة وأن هذا الحزب الذي يتزعمه جيلالي سفيان هو حزب مجهري ليس له ثقل سياسي معتبر أو عمق جماهيري في الجزائر العميقة، وبذلك فهو لا يقدم ولا يؤخر ولكن يبدو واضحا ولغايات تكتيكية أن السلطات الجزائرية تريد أن تنفخ فيه لكي تظهره كقوة سياسية وبمظهر المعارض المهم في المعادلة الحزبية الوطنية.
وفي الواقع فإن مشاورات الرئيس تبون مع الوزير الأول الأسبق بن بيتور، ووزير الثقافة والناطق الرسمي للحكومة السابق عبدالعزيز رحابي تدخل في نفس الخانة، وذلك لأن هذين الرجلين ليسا معارضين للنظام الحاكم وخياراته السياسية والاقتصادية.
على أساس ما تقدم يستنتج الراصد للمشهد السياسي الجزائري الراهن أن الهدف المركزي من إجراء مثل هذه المشاورات الانتقائية والنخبوية وضمن منطق السلطة هو إعطاء الشرعية للنظام من جهة، ومحاولة حماية الحكومة التي عينها الرئيس تبون دون موافقة أو مشاركة الحراك الشعبي، وخلق واقع جديد لصالح الرئيس تبون من أجل تغيير الدستور على نحو يحافظ على هيمنة النظام نفسه وتجديده من جهة ثانية.