جويس كرم تكتب:

حفتر إذ يخذل بوتين

رفض المشير الليبي خليفة حفتر توقيع اتفاق مع حكومة فايز السراج في موسكو ومغادرته الكرملين بشكل مفاجئ هذا الأسبوع، هو مؤشر لمستوى التعقيدات التي وصلت إليها الأزمة الليبية، وعدم امتلاك روسيا ورئيسها فلاديمير بوتين مفاتيح الحل وتعويله المتزايد على الدور التركي.

مغادرة حفتر لروسيا متجها منها إلى الأردن (يوم الثلاثاء)، فيما الكرملين كان ينتظر توقيعه على ورقة اتفاق إلى جانب توقيع السراج، فيها إحراج لبوتين وثلاث رسائل أراد القائد العسكري الليبي إيصالها للأطراف المجتمعة وهي:

أولا، ليبيا ليست سوريا وحفتر ليس الأسد. ففيما بات من المعتاد أن نرى الرئيس السوري بشار الأسد يلحق ببوتين، اختار حفتر المبادرة والخروج من المكان الذي أراد منه الرئيس الروسي أن يكون محطة انطلاق "آستانا" ثانية. أيضا، النفوذ الروسي في ليبيا ليس بحجم نفوذها في سوريا وليس بحوزة الرئيس الروسي الأوراق لفرض اتفاق.

بعد إفشال حفتر لمحادثات موسكو، تعود ليبيا إلى المربع القتالي

ثانيا، اللاعب الإقليمي الأبرز في ليبيا كان غائبا عن مفاوضات موسكو وهنا المقصود الجانب المصري ومصالحه الأمنية والسياسية والاقتصادية الحاضرة بقوة في الأزمة الليبية. فخطأ بوتين كان في تغييب مصر الداعمة لحفتر، والتي لن تقبل أي اتفاق يمس بمصالحها.

ثالثا، رفض حفتر يعكس تعويله على الاندفاعة العسكرية في هذه المرحلة باتجاه طرابلس وعدم القبول بأي دور تركي في ليبيا. في ذلك تضارب واضح مع بوتين الذي أراد أن يكون وسيطا بين تركيا وحفتر، وأن يحصل غنائم الصفقات النفطية من الجانبين. مغادرة حفتر رسمت ولو في المدى القصير خطا أحمر يرفض هذه المعادلة ويراهن على المعارك الميدانية.

لهذه الأسباب، وبعد إفشال حفتر لمحادثات موسكو، تعود ليبيا إلى المربع القتالي والذي سيقرر مسار المفاوضات. وبالتالي لم يكن من المفاجئ نقل صحيفة "الغارديان" اليوم بأن تركيا أرسلت 2000 مقاتل سوري للمعركة وهو ما سيطيل الفترة القتالية من دون أن يحسمها بالضرورة.

النفوذ الروسي في ليبيا ليس بحجم نفوذها في سوريا

فالمسافة الجغرافية بين تركيا وليبيا، وتحديات الساحة الميدانية للمعارك تجعل من مهمة تركيا أمرا صعبا أكثر بكثير من معاركها في سوريا حيث تتجاور الحدود وتملك نفوذا واسعا في شمال البلاد.

دوليا، تبدو ألمانيا في موقع أفضل لاستضافة المحادثات من روسيا الأسبوع المقبل ونظرا لحفظها مسافة أكثر حيادية من جميع الأطراف بمن فيهم مصر وتركيا. كما يبرز هنا الدور الأميركي الداعم للوساطة الألمانية والمتحفظ على الوساطة الروسية. فلائحة المدعوين إلى مؤتمر برلين يوم الأحد تشمل فرنسا وإيطاليا والإمارات العربية المتحدة وتركيا ومصر والصين والولايات المتحدة والجامعة العربية والكونغو، لتضمن بذلك مظلة واسعة للمفاوضات.

هذا لا يعني أنها ستتوصل إلى اتفاق إنما يضعها في نطاق إقليمي ودولي واسع يستوعب تعقيدات الأزمة.

المسافة الجغرافية بين تركيا وليبيا، وتحديات الساحة الميدانية للمعارك تجعل من مهمة تركيا أمرا صعبا

مع ذلك لا يمكن رؤية اختراق ديبلوماسي قريب في ليبيا بسبب حجم الانقسام الإقليمي والأوروبي والداخلي بين الأطراف المتنازعة. ففريق حفتر يحاول شراء الوقت وانتظار استكمال معركة طرابلس لتقوية موقعه في المفاوضات، فيما السراج يراهن على دور تركيا لإبقاء السيطرة على العاصمة. أما الدول الأوروبية فهي منقسمة بين معسكر حفتر والسراج، وروسيا تبحث عن مصالحها النفطية فيما مصر، ومعها الإمارات، ترفضان أي تهديد أمني ودور تركيا في ليبيا.

من هنا فإن لعبة عض الأصابع وشراء الوقت، التي بدأت في ليبيا مع إعلان حفتر المعركة في أبريل الفائت، مرهونة بالاستمرار إلى حين رسم منعطف عسكري واضح على الأرض.

هذا الواقع فرض فشل محادثات موسكو، ويعكس محدودية نفوذ روسيا وأيضا الدول الغربية في فض الخلاف وانتظار ما ستؤول إليه المعارك على الأرض قبل العودة إلى طاولة المفاوضات.