د. عيدروس النقيب يكتب:

قصة الأسماء الوهمية

الأسماء الوهمية في الوظيفة العسكرية والأمنية اليمنية ليست حالة طارئة، ولا خطأ مطبعي تسبب به فايروس كومبيوتر، ولا حيلة تستر اقدم عليها مدير مدني او قائد عسكري (محتال)، بل إنها سياسة رسمية معتمدة على أعلى المستويات وقد جرى تكريسها منذ نهاية سبعينات القرن الماضي عندما كانت موازنة القوات المسلحة اليمنية (الشمالية طبعاً) تأتي من الدول الشقيقة، وتوسعت وازدهرت بعد تحسن الموارد المالية في الشمال وزياردة دعم الأشقاء وتنامي عائدات النفط مطلع الثمانينات من القرن الماضي، وقد عرفنا قادة ألوية بدون ألوية ومشائخ ووجهاء يتسلحون بكتائب وألوية بدون كشوفات رسمية حتى وإن كانت (وهمية).
لم أعد أتذكر ذلك العام الذي جرى فيه الضغط على حصة الأمن والدفاع في الموازنة الحكومية العامة، وحينها تسربت أخبار عن توجيهات عليا، ينصُّ بعضها مثلا على ما يلي " احذفوا خمسمائة اسم من قوام المحور الفلاني" أو "خفضوا ألف إسم من اعتمادات المنطقة العسكرية الفلانية أو من الفرقة الفلانية" وفي العام ٢٠١٣م ما يزال ذوي الذاكرة السليمة يستعيدون الخبر عندما تم الكشف عن آلاف الأسماء الوهمية في جهاز الأمن المركزي كانت تبتلع ما قيمته مئات الملايين من الريالات اليمنية شهرياً، ولنا أن نقيس على هذا القليل، الكثير من الحالات في الألوية والوحدات والأجهزة والفرق والمحاور والمناطق العسكرية والأمنية لنرى الحجم الكارثي المهول لهذه السياسة التي سيكون من الإجحاف في حق مفردة "الفساد" لو أسميناها "فساداً".
بعد عاصفة الحزم وانكشاف عورة "جيش الثورة والجمهورية والوحدة" الذي سلم زمام قيادته لأعداء "الثورة والجمهورية والوحدة" تضاعفت الكَتْبَة، ودخلت المجاميع الحزبية والقبلية والأيديولوجية، التي صار لدى كلٍ منها جيشه الخاص وقوائمه "الوهمية" الخاصة، ولم يعد الهدر بالريال اليمني، بل صار الريال السعودي والدولار الأمريكي هما عملتا الهدر مذ ذاك، وبلغت سياسة" القوائم الوهمية" مدىً أبعد وأوسع من ذي قبل مراتٍ ومرات، وكلما اتسعت مساحة كرم الاشقاء ونخوتهم كلما كبرت مساحة القوائم الوهمية وزاد عدد الأسماء المشمولة فيها.
الأثر المالي والاقتصادي والاجتماعي والأخلاقي لهذه السياسة كارثي بمعنى الكلمة، فهي تبتلع المليارات وربما عشرات ومئات المليارات من الموارد الضئيلة للبلد التي تذهب إلى الجيوب والحسابات البنكية لقادة لم يخوضوا قط معركةً واحدة، على حساب إفقار مجالات أخرى كان ينبغي أن تصرف عليها تلك المليارات، لكن الكارثة الكبيرة ليست هنا فقط، بل إنها تتجلى عند الحاجة إلى أصحاب تلك الأسماء في زمن الحرب، حينما يكتشف المجتمع الذي راهن على "جيش الثورة والجمهورية والوحدة" أنه لم يكن يراهن سوى على مجموعة من القوائم الوهمية وبعض الجنود المنهوبة مرتباتهم ومجموعة من القادة ذوي الكروش المنتفخة والأوداج المتورمة، ممن يعجزون عن مواجهة عصابة من اللصوص او مجموعة قليلة العدد من المتمردين القبليين او قطاع الطرق أو خاطفي السواح والدبلوماسيين الأجانب، فكيف بمواجهة جيش مليشياوي عقائدي يحمل افراده مفاتيح ابواب الجنة ويتلقى قادته الدعم من دولة اقتربت من ان تغدو دولةً نووية، وبعبارة أخرى إن إحراز أي نصر على أي جيش معادي (صَغُرَ أم كَبُر) لا يمكن أن يحققه جيشٌ نصف قوامه أسماءٌ وهمية والنصف الآخر جنود لا يداومون أو "يلوون في الشوارع" تنهب رواتبهم، والبقية قادة متخمون يقيمون في أرقى الفنادق وعلى ضيافة دول شقيقة وصديقة ويظل الرهان على جيشِ كهذا رهاناً على الوهم الزائف.
سياسة القوائم الوهمية أكلت موارد اليمن الضئيلة، وإذا ما استمرت فإنها قد تأكل قريباً موارد الدول الشقيقة التي لم تستوعب بعد تجربة خمس سنوات من الخداع والزيف والتضليل المعتمد على سياسة (القوائم والمعارك والانتصارت وتحرير المناطق) الوهمية.