د. عيدروس النقيب يكتب:
تضامنا مع الزملاء البرلمانيين
تواصل السلطات الحوثية في صنعاء نهج الانتقام السياسي من خصومها الذين اختلفت معهم سياسياً منذ اقتحامها صنعاء أثناء تحالفها مع الرئيس علي عبد الله صالح أو ما بعد اختلافها معه وتصفيته جسديا في ديسمبر 2018م، وتسخر (السلطات الحوثية) جميع الوسائل (القانونية) وغير القانونية لهذا الغرض، وكان آخر ما فعلته الجماعة هو إصدار حكمٍ (قضائي) بإعدام 35 من أعضاء البرلمان اليمني (ذي العمر الطويل) من المحسوبين على الشرعية أو ممن انتقلوا إليها مؤخرا بعد إعدام الرئيس صالح ومصادرة ممتلكاتهم.
في إطار هذا يمكن التعرض لمجموعة من النقاط أهمها:
• إن اختلاف سلطة الحوثيين مع هؤلاء النواب ومع شريحة واسعة من الطبقة السياسية اليمنية، هو اختلاف سياسي جاء في ظروف حرب بدأت محلية وانتقلت إلى المستوى الإقليمي، وبالتالي فأي أحكام تصدر في أجواء الحرب، وفي حق سياسيين كل وسائلهم في مواجهة من أصدر الأحكام ضدهم هي الوسائل السلمية، إنما هي أحكام باطلة لأسباب كثيرة يطول الحديث فيها، وأهمها عدم حيادية القضاء وغياب المعنيين بالأحكام وافتقاد سير المحاكمة وصدور الأحكام للمشروعية القانونية والمنطقية والأخلاقية.
• تلك ليست المرة الأولى التي يسخر فيها القضاء للانتقام السياسي ويتذكر كل هؤلاء الزملاء وكل السياسيين والقانونيين اليمنيين أن استخدام القضاء في الصراع السياسي قد جرى في العام 1994م عندما انتقم المنتصرون في حرب غزو الجنوب من كل القيادة السياسية الجنوبية التي وقعت معهم اتفاقية التوحيد (الفاشلة) واستخدم القضاء أسوأ وأبشع استخدام، ومن عجائب الزمن وغرائبه أن الكثير ممن شملهم هذا الحكم أو آبائهم وبعض أقربائهم قد ابتهجوا لأحكام إعدام القيادات الجنوبية، ويبدو أن مقولة "إن الزمن يكرر نفسه على شكل مهزلة أو مأساة" تتحقق في أوضح صورها.
• لم تتأنَّ السلطات الحوثية في انتظار فترة سريان الحكم وما إذا كان قد تضمن حق الاستئناف (ولو بصورة شكلية) بل لقد شرعت في تنفيذ الأحكام مباشرة صبيحة صدورها وبوسائل بوليسية وقمعية وهمجية بشعة، وهي أساليب سبق وعرفها اليمنيون منها يوم صدور الحكم بسجن المرحوم عبد الكريم الخيواني وإغلاق صحيفة الشورى، حينما هجم المسلحون عصرية يوم صدور الحكم وسلبوا ونهبوا ممتلكات الصحيفة وأغلقوا مقرها ومقر الحزب الذي كان يصدرها (اتحاد القوى الشعبية) واعتقلوا المرحوم الخيواني دونما حتى انتظار لنشر حكم المحكمة عبر وسائل الإعلام وصدور إذن النائب العام بالشروع في التنفيذ.
• وقد عرفت أن مسلحين مليشياويين اقتحموا منازل النواب (المحكومين) ولم يكن في بعضها سوى النساء والأطفال وبعض العجزة، ونشروا الرعب والهلع، وطلبوا من الساكنين إخلاء المنازل خلال 24 ساعة.
• إنني أعبر عن التضامن مع كل الوملاء النواب الذين شملتهم الأحكام وأدعوا القائمين على الحكم في صنعاء إلى التراجع عن هذا السلوك الهمجي والعدواني واحترام حق الناس في الاستماع إلى الاتهامات الموجهة لهم بالابتعاد عن المحاكمة السياسية أولا، ومنح المحكومين فرص تفويض محامين، وحتى لو افترضنا صحة تلك الأحكام فإن أي حكم يستدعي فترة استئناف لا يصبح نافذا بدونها، هذا على افتراض سلامة وقانونية إجراءات المحاكمة.
وإذ أجدد تضامني مع الزملاء المستهدفين بالأحكام، أُذكِّر بأن الكثير منهم ممن يحرضون على تكرار غزو الجنوب وإعادة احتلاله ، ولا يتعضون من همجية المواقف السياسية والعواقب الوخيمة لسياسة الاستقواء والاستكبار، أقول أنني أتضامن معهم من منطلق احترامي لثقافة الخلاف السياسي واحترامي لنفسي ولضميري وأخلاقي ثانيا، وإصراري على أن حل الخلافات بالتزييف والاستقواء إنما يؤدي إلى جرائم يصعب معالجة عواقبها حتى لو اعترف مرتكبوها بخطأهم، وهي مناسبة لدعوة الزملاء البرلمانيين، المشمولين بالأحكام ومعهم كل السياسيين اليمنيين إلى الاعتذار عن تأييدهم للأحكام التي صدرت بحق القيادات الجنوبية بعد حرب 1994م، ومراجعة مواقفهم من مطالب الشعب الجنوبي المشروعة والعادلة وحقه في تقرير مصيره واستعادة دولته والعودة إلى وضع الدولتين الجارتين الشقيقتين المتعاونين والمحترمتين لبعضهما البعض.
والله من وراء القصد.