أزراج عمر يكتب:

الجزائر: نحو جمهورية جديدة للزجر والمراقبة

لم يعد بناء المجال العام التأديبي في الجزائر مجرد نزوة لأقلية سياسية في هذا الحزب أو ذاك، أو دعوة عابرة لهذا الفرد أو لتلك الجهة فقط، وإنما أصبح قرارا رئاسيا سيشهد تطبيقا عمليا خلال الأسابيع القليلة القادمة. وجراء ذلك ينتظر أن يغير هذا النمط من المجتمع التأديبي طبيعة العلاقات في النسيج الجزائري العام رأسا على عقب.

ومن الواضح أن هذا الإجراء القانوني يتم بشكل منهجي تحت مظلة شعار حماية الديمقراطية والحريات، بواسطة التصدي لمختلف أشكال التمييز وخطاب الكراهية والعنف. وفي هذا الخصوص أعلنت السلطات الجزائرية خلال هذا الأسبوع أن لجنة القانون والحريات التابعة للبرلمان الجزائري، بغرفتيه السفلى والعليا، بصدد الشروع في مناقشة حزمة من مشاريع القوانين الجديدة من أجل عرضها قريبا على النواب للمصادقة عليها.

في هذا المناخ هناك من يرى أن لجوء النظام الجزائري في هذا الوقت بالذات إلى مثل هذه الإجراءات يرمي إلى تحقيق أهداف مبطّنة لا علاقة لها بالهدف الذي يروّج له في مختلف وسائل الإعلام التابعة للدولة وهو التنظيم الحسن لسلوك المواطنين والمواطنات، وتتمثل هذه الأهداف المضمرة في تهيئة الأجواء للمصادقة على الدستور وإجراء الانتخابات التشريعية وفق أجندات النظام الحاكم، وكبح جماع الحراك الشعبي الذي ما فتئ يواصل معارضته للنظام الحالي بقوة بعد الإطاحة بالرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة وبجزء معتبر من جماعته. ويرى المراقبون السياسيون أن تطبيق القوانين التي سيتمخض عنها عمل لجنة القانون والحريات البرلمانية سوف ينال من حرية التعبير والنقد المكفولين دستوريا، وسيؤدي تبعا لذلك إلى قص أجنحة المجموعات التي تستخدم فضاءات وسائل التواصل الاجتماعي وبعض المنابر مثل الصحف والفضائيات التابعة للقطاع الخاص للتعبير عن مشاكلها الاجتماعية وانشغالاتها السياسية.

في هذا السياق يستغرب عدد كبير من الناشطين الحقوقيين هذا التحرك المستعجل من طرف النظام الجزائري لإضافة قوانين تجريم أخرى أكثر ردعا إلى ركام قوانين التجريم الكثيرة التي أعاقت وما تزال تعوق الحريات في البلاد. وفي هذا الخصوص يرى قطاع كبير من المواطنين أن إسناد مهمة سن قوانين تجريم جديدة للبرلمان الجزائري سوف لن ينتج عنه سوى المزيد من سيطرة السلطات على المواطنين الذين يدركون أن البرلمان لا يعبّر عن الإرادة الشعبية، لأن ثلث أعضائه حاليا هم من تعيين الرئيس السابق بوتفليقة في إطار ممارساته لما يسمّى بحق الثلث الرئاسي المكفول له حسب الدستور الذي صاغه على مقاسه، أما ما يسمّى الأعضاء المنتخبين فهم، في الحقيقة، ليسوا سوى بقايا المرحلة الفاسدة التي تعتبر حلقة أساسية من حلقات ميراث بوتفليقة.

وما يزيد الأمر تعقيدا وسلبية بشأن هذه القوانين المنتظرة هو عدم تكليف هيئة شعبية محايدة لها مصداقية لتقوم أولا بدراسة قضايا التمييز وخطاب الكراهية والحض على العنف في المجتمع الجزائري، ومن ثم تقديم مقترحات لأساليب وإجراءات ذات طابع تربوي وتثقيفي وحضاري ثانيا للتغلب عليها بما يضمن المصلحة الوطنية واحترام الحريات الشعبية.

وبسبب إقحام البرلمان غير المحايد في هذه العملية الحساسة يرى المراقبون للشأن الجزائري أنه من المستحيل أن يتم إنتاج القوانين العادلة في أطر المعايير الموضوعية التي تميز بين آفات العنف وخطاب الكراهية وأنماط الشتم والحض على السلوك المشين، وبين النقد السياسي والاجتماعي الموضوعي الموجه من طرف الإعلاميين والناشطين السياسيين المستقلين وجماهير الحراك الشعبي إلى تعسف السلطات والتسيير السيء للشأن العمومي.

لا شك أن التبريرات التي يقدمها النظام الجزائري لتسويغ هذه القوانين وتمريرها هشة جدا وغير مقنعة من جهة، ومن جهة أخرى فإن سلسلة الآليات المعلن عنها من طرف النظام الجزائري والتي بموجبها سيتم قريبا إنشاء “المرصد الوطني لرصد أفعال التمييز وخطاب الكراهية” سيحوّل عددا من المؤسسات الوطنية وجزءا من أفراد المجتمع الجزائري إلى خلايا ضبط ورقابة يقودها الوشاة والمخبرون. وفي هذا الخصوص يرى المحللون السياسيون أنَ إقحام الهيئات والمجالس الوطنية مثل المجلس الوطني لحقوق الإنسان والمجلس الأعلى للغة العربية والمحافظة السامية للأمازيغية والهيئة الوطنية لحماية وترقية الطفولة والمجلس الوطني للأشخاص المعوقين والجمعيات الناشطة في المجال فضلا عن قطاعات أخرى تابعة للمؤسسات الحكومية، هو أمر سيؤسس لتوريط المؤسسات الثقافية واللغوية والاجتماعية في ممارسات استخباراتية وقضائية جزائية وعقابية لا علاقة لها بها.

ومن الملاحظ أيضا أن الإعلان الرسمي للبرلمان وجهات أخرى داخل أجهزة النظام الحاكم بخصوص إلحاق المرصد المذكور آنفا برئيس الجمهورية (الذي هو أعلى سلطة قضائية في البلاد ) يتناقض جوهريا مع مطالب النخب والمواطنين في الجزائر ومع وعود النظام الحاكم نفسه بفصل شؤون العدالة عن أجهزة الحكومة التي تدعى في الجزائر خطأ بالدولة.

ثمَ لماذا كل هذا الإصرار على استخدام النظام الجزائري لمصطلح “العنصرية”، علما أن المجتمع الجزائري متعدد الإثنيات فقط وليس مجتمعا متعدد الأجناس والقوميات الذي يفترض أن تظهر فيه ظاهرة العنصرية؟