د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):

ثقافة العبودية !!

برع العرب في نشر ثقافة العبودية من خلال ممارستهم لهذه المهنة منذ القدم حتى أصبحت العبودية جزء مهما في المورث العربي عبر الأجيال التي تم تنشئتها طوال قرون على الطاعة العمياء للأسرة ثم القبيلة فالمجتمع ،ولكن هذه التراتبية فقدت مفعولها نسبيا في العصر الحديث وخف وقعها ليس من خلال تحرير الإنسان الأسود ومكافحة الرق والعبودية فحسب ولكن من خلال استحداث نوع آخر من العبودية الثقافية والفكرية التي حلت مكانها لكل ألوان البشر وأصبحت ترتدي قناعا حقوقيا ووطنيا زائفا باسم الوطن والحرية وإدخال أفكار ونظريات جديدة على المجتمع من خلال تقديم روابط الفكر قبل روابط الدم والنسب في المجتمع الحديث ...أي بمعنى آخر تقديم الولاء الفكري-الحزبي – الضيق، على الدم والنسب وذلك من خلال الأحزاب السياسية التي تقوم بإعادة برمجة ذاكرة الشباب فيها واختطافهم فكريا ومحو ذاكرتهم القديمة المشبعة بثقافة القبيلة والقيم الدينية والاجتماعية باعتبارها في منظورهم رمزا للتخلف ، علما أن القبيلة لا تفرط في قتل كبارها وفرسانها حتى لو سالت دماؤها وتدخرهم للأزمات الشديدة !!
وعلى العكس من ذلك تهدر الأحزاب السياسية دماء أشجع الرجال والفرسان من خلال الاغتيالات لإضعاف دور القبيلة وتراجع دورها في التأثير على المجتمع ليس هذا فحسب بل وتشتت دورها كمرجعية للتقاليد والأعراف والقيم التي كانت تمثل فيها قطب الرحى ومركز الثقل التاريخي الذي استلب منها ، واختطفته القيادات الحزبية مما أضعف دورها في قيادة المجتمع وحرضت على عصيانها والتمرد عليها من قبل أبنائها !!
وقد أخفق العرب في فهم الثقافة الفكرية والحريات السياسية واعتبروها طاعة مطلقة ترفض التأويل والتفسير والنقاش والمحاسبة كما يحدث في المجتمعات المتقدمة في العالم الأول ..و تقوم فقط على تضخيم الذات واحتكار الحقيقة و" أنا " ومن بعدي الطوفان مما أدى إلى نشؤ أجيال جديدة هزيلة فكريا وثقافيا تعاني من العقد التاريخية والأمراض النفسية والإعاقات الثقافية مما أدى إلى فراغ سياسي أفرز مكونات حزبية سرعان ما قفزت سريعا إلى هرم السلطة السياسية واحتكرتها لنفسها بصورة فجة تماما مثل امتلاك الأملاك المنقولة وتدوينها في الشهر العقاري ... وهذا يتنافى مع قيم الحرية والانتخابات والقيم الديمقراطية في العالم المتحضر الذي تجاوزنا في ترسيخها بعشرات السنين !!
ومن ذلك ما تقوم به الأبواق الإعلامية من ضخ ونفخ إعلامي مكثف في هياكل تلك الديناصورات المحنطة المستأجرة والمرتهنة مما جعل منها كائنات أسطورية تملك الحلول السحرية وأنها وحدها من يملك طوق النجاة والسلامة للجميع ،وهؤلاء يوحون إلى أتباعهم بأنه لا يجوز التفكير في البحث والتحري عن دماء شابة تقود أوطانها إلى المستقبل ... لأنهم في نظرهم لا يملكون الخبرة الكافية و في النهاية سيصلون إلى نتيجة واحدة هي الفشل وبالتالي لا يجوز تخطي تلك الزعامات التاريخية المحنطة مهما كانت الأسباب !!
وتوحي تلك الكائنات إلى أتباعها أنها تمتلك وحدها الحلول السحرية لكافة مشاكل الأوطان المنكوبة وتنفذ أجنداتها من خلال استلاب ذاكرة المواطن وإقناعه أن لا دخل لها فيما وصلت إليه بلدانهم من حروب ومجاعات وأوبئة خاصة وهم خارج الوطن وهم قد فروا بعد أن دمروه ويعيشون في ترف من العيش الرغيد مما نهبوه من ثروات الوطن المكلوم وبالتالي فهؤلاء الأتباع يصدقونهم و يكرسون عبوديتهم المستمرة وولائهم لهم ويجاهرون بذلك في تصريحاتهم الإعلامية في المهرجانات الوطنية والمناسبات التاريخية حتى تبقى أسيرة مكبلة بولائها وعواطفها لهم !!
وفي الجانب الديني وفي ظل هذه العقلية المجتمعية الساذجة والقبلية خاصة يتم استغلال تلك الفئات البسيطة وسوقها إلى حظائر العبودية وتنويمها مغناطيسيا التي استحوذت عليها عمائم حزبية دينية جديدة مسكونة بهواجس الشهرة واحتكار الحقيقة وتسخير الدين وتطويعه في سلالتها كحق أباحه الإله الخالق لها دون غيرها وتتدثر تلك الأحزاب بالدين للوصول إلى غاياتها وتقوم بتفسير الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة بشكل مغاير للدين الذي جاء ليحرر الناس من العبودية انطلاقا من حديث سيد البشر الذي قال "لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى الخ الحديث " ويجعل المساواة و الاحترام والعدالة هي السائدة بين الجميع !!
ورغم ذلك تمارس تلك اللحى الحمراء والبيضاء والظلاميون من أتباعهم ثقافة الاغتيالات والتصفيات الجسدية دون خوف من الله ولا حسابه يوم الدين وتثبت لنا بأفعالها الإجرامية التي تمارسها كل يوم أن لا فرق لديها بين ضحايا متفجراتها على بوابات المعسكرات سواء كان الضحية غلاما بسيطا أو يتيما التحق بالعسكرية ليطعم أهله أو وطني شريف يحب خدمة وطنه.. فالقتل مباح لدى هؤلاء الإرهابيين
و ليس أسوأ من أن يتحول العبد المأزوم نفسيا إلى سيد يستبد ويظهر أسوأ ما فيه من خبث وحقد وغل ...ولم يعد مفهوم العبودية يقتصر على أصحاب البشرة السوداء أو السمراء بل أن البيض قد تفوقوا عليهم في العبودية والصفات السيئة الخسيسة والطاعة لأسيادهم !‍!
وهذا ما نراه ونلمسه أمامنا من ثقافة العبودية الحزبية سواء السياسية أو الدينية والشاهد أمامنا هو ولاء وعبودية بعض الشرائح الشمالية و الجنوبية المأزومة والمعاقة فكريا التي تكرس ولائها لبعض الأحزاب والشخصيات الشمالية والجنوبية المتنفذة وتعمل ضد الجنوب وأبنائه على نظام الشريحتين معا ... وتتمترس في الخنادق المعادية للوطن الجنوبي وتقبيل أحذية أسيادها والوقوف على عتباتهم وتهدر كرامتها مقابل الفتات من المال الحرام !!
كما تقوم الثقافة العربية عامة واليمنية خاصة على استعباد المرأة التي كانت في العصور القديمة تباع وتشترى كسلعة لمتعة الرجل وممارسة الرذيلة ،وبسبب هذه العقلية الاستعبادية أدى ذلك إلى حرمان المرأة من حقوقها التي كفلها الإسلام وعمل على تحريرها وغرس فيها الصفات النبيلة كأم وزوجة وابنة وجرى تحريفها لتقمع وتتحول إلى أجيرة بزعمهم أنها عورة يجب عزلها عن الناس !! ونتيجة لهذا العزل أصبحت المرأة اليمنية تمارس على أولادها ما مورس عليها من إذلال !‍‍ّ!
ولمكافحة هذه العلل والآفات علينا اقتلاع هذه الأوبئة من جذورها والانطلاق والتحرر من أعدائنا ثم نحرر أنفسنا ومعها كل العادات الدخيلة علينا خاصة ونحن نعلم يقينا أنهم يريدون برمجتنا على الطاعة العمياء وترسيخ الصمت والسلبية لاستعبادنا باسم الدين وهو براء منهم وهم لا يريدون أن نكون مواطنين صالحين أو مميزين بل أن نكون مطيعين لهم والهدف في نهاية الأمر هو قتل الشخصية وسحق الإبداع داخلنا وتدميره بل ودفنه قبل أن يخرج إلى النور !!!
د.علوي عمر بن فريد