أزراج عمر يكتب:

قصيدة النثر العربية هل هي ثمرة محرمة

لا شك أن الجهد الإيجابي الذي بذله الناقد العراقي الدكتور حاتم الصكر في كتابه “الثمرة المحرمة: مقدمات نظرية وتطبيقات في قراءة قصيدة النثر”، الصادر بالمغرب منذ مدة قصيرة، جدير بالتنويه، لأنه بادرة تنتصر للحداثة الشعرية وسوف تساهم في تحفيز الدارسين سواء في جامعاتنا أو خارجها للقيام بمزيد من التعريف بقصيدة النثر وتاريخيتها أولا، وبمعمارها الفني ثانيا وبأبرز أقطابها في البلدان الأجنبية وفي بلداننا ثالثا.

ولا شك أن كتاب الناقد الصكر سوف تكون له مكانة خاصة في مشهد المؤلفات التي رصدت تاريخ قصيدة النثر وتطوراتها في فرنسا أولا وفي غيرها من البلدان، تلك التي توقفت بالتحليل التاريخي عند تنظيرات الناقدة والدارسة الفرنسية سوزان برنارد صاحبة الكتاب النقدي الريادي “قصيدة النثر: من بودلير حتى أيامنا – 1958”.

وهنا ينبغي الإشارة إلى وجود عدد من الدراسات العربية التي تناولت قصيدة النثر في مشهد النقد العربي، ولكن نوعية هذه الكتابات تتفاوت في المستوى من جهة، ومن جهة أخرى فإنها لا تزال لم تتحول بعد إلى تيار نقدي متفرد وقائم بذاته ضمن مشهد حركة النقد الأدبي عندنا.

وتتضح صورة التقصير في خلق هذا النوع من التيار النقدي في كون معظم نقاد الشعر العربي الذين تابعوا ميلاد وتحولات قصيدة التفعيلة لم يبتكروا دراسات نقدية كبرى ونوعية تؤسس نظريا لقصيدة النثر ذات الخصوصية العربية في معمارها الفني وفي التجارب الحياتية كما لم تدرس بالمقارنة مدى اختلاف تجارب قصيدة النثر عندنا عن النماذج الرائدة والمبتكرة لدى شعراء قصيدة النثر في المشهد الشعربي الغربي بشكل عام.

تحليلات إمبريقية لمجموعات عدد من شعراء قصيدة النثر

ويلاحظ أيضا قلة الدراسات التطبيقية التي تتسم بضبط معمار شعرية قصيدة النثر وتكشف عن جوهر إنجازها في التجربة الشعرية العربية الحديثة والمعاصرة. ورغم هذا النقص فإنَ هناك فعلا بعض النصوص النقدية التي تمكنت بمستويات مختلفة من وضع تخطيطية أولية لمشروع قصيدة النثر العربية ذات الفرادة، وفي هذا السياق ينبغي الإشارة إلى تلك الدراسات التي تمكنت، على سبيل المثال فقط، من قراءة ملامح قصيدة النثر في تجارب النفري والحلاج وابن عربي.

على أساس هذا النقص الملحوظ في التأريخ والتنظير لشعرية قصيدة النثر وفي رصد مجموعة من تجارب من يصطلح عليهم حاتم الصكر بأجيال الشعر بدلا من أجيال الشعراء فإنه ينتظر أن يساهم كتابه “الثمرة المحرمة” في إطلاق النقاش مجددا بين أوساط النقاد وشعراء قصيدة النثر في بلداننا من المحيط إلى الخليج من أجل تحقيق هدفين أساسيين، وهما تعميق الوعي النقدي النظري بقصيدة النثر وبجمالياتها المتحققة والمنتظرة، وبالتالي حمايتها من كثرة الدخلاء غير الموهوبين الذين ما فتئوا يكتبون مجرد خواطر لا توفر فيها عوالم الإدهاش والتخييل الخارق، وهو الأمر الذي يشوه مكاسب نماذج إبداعية متحققة على أيدي شعراء موهوبين قليلين حقَا في الساحة الشعرية العربية.

منذ النظرة الأولى يبدو التنظيم البنيوي الداخلي لكتاب “الثمرة المحرمة: مقدمات نظرية وتطبيقية في قراءة قصيدة النثر” عبارة عن مباحث نظرية وتطبيقية يناقش في الجزء النظري ببنية قصيدة النثر في الراهن الشعري العربي كما يبني على ذلك توقعاته لمستقبلها فضلا عن مشكلة تلقي هذا النوع من الكتابة لدى القراء.

في هذا القسم النظري يدرس حاتم الصكر الجانب الاستيطيقي لقصيدة النثر ويلقي الضوء على ما يدعوه بالبلبلة الاصطلاحية وفوضى التسميات التي تطبع واقع قصيدة النثر في التجربة الشعرية عندنا. وفي هذا السياق يحلل أيضا التناقضات الذاتية والموقف النقدي وتجربة “مجلة شعر” ومأزق التلقي.

من الواضح أن الناقد الصكر ينحاز في كتابه هذا إلى “حداثة قصيدة النثر” و”يراهن على جدوى مغامرة كتابتها ولكن منتبه إلى ما يعترض مشروعها التحديثي من أزمات تخص ما يحسب ضمن نصوصها والحماسة المفرطة لدعاتها الأوائل والمبشرين بها”. وهنا يظهر الدكتور الصكر أن المشهد الأدبي العربي عرف الشعر المنثور في نماذج جبران وغيره، وقصيدة النثر.

وفي هذا الخصوص لاحظ أنَ ما يدعوه بالشعر المنثور لم يواجه بالاستنكار مثلما قوبلت قصيدة النثر بالاستنكار “حتى وصفت بالخيانة للغة والتنكر للموروث وهوية الأمة وشخصيتها، وبالتبعية للغرب”، ولكن هذا الاستنتاج غير مطابق لتاريخية الواقع والدليل على ذلك أن العقاد قد استنكر قصيدة التفعيلة التي لم تكسر البنية الموسيقية العربية التقليدية وإنما قامت فقط بتعديلها، وكان معهم بعض المنتمين إلى نسق الشعري التقليدي يدعون إلى تحويل القصائد التفعيلية إلى “لجنة النثر للاختصاص”.

هذا من ناحية ومن ناحية ثانية فإن الشعر المنثور لم يكن أصحابه يصرون على أنه نموذج شعري بقدر ما كانوا يسمونه بالنثر الفني، ولهذا السبب لم يحارب من طرف حراس الاتجاه التقليدي في الثقافة العربية عموما.

في هذا الكتاب درس الناقد الصكر ظواهر أخرى مثل تجربة قصيدة النثر في العراق، ثم قام بتحليلات إمبريقية لمجموعات عدد من شعراء قصيدة النثر بالتركيز أكثر على مشهد شعراء المشرق العربي مع نسيان ملفت لبعض الأسماء الأخرى فيه، ولكنه التفت إلى عدد مختزل جدا من شعراء قصيدة النثر من المنطقة المغاربية.

وبطبيعة الحال فإن هذا القسم الإمبريقي المهم يستحق وقفة خاصة ليس هذا مكانها الآن، وفي هذا القسم يصادف الدارس مبحثا ذا طابع نظري عنوانه “مقاربات نقدية” ونرى أنه من الأفضل أن يكون قد استهل به الدكتور حاتم الصكر القسم المخصص للمباحث النظرية التي وردت في النصف الأول من كتابه هذا وحيث ناقش بنيات أو لنقل شعرية قصيدة النثر.

في مقاربته هذه أشار الناقد الصكر إلى قلة الكتب “المترجمة التي تتحدث عن قصيدة النثر، لاسيما في اللغات الأخرى غير لغة منشئها أي فرنسا التي ينسب إليها الجميع أمومة قصيدة النثر وحضانتها، كما استهجن ظاهرة التلخيص الفج لأفكار سوزان برنار من طرف جيل رواد قصيدة النثر والمبشرين بها وخاصة في رحاب ‘مجلة شعر’ تحديدا”