د. عيدروس النقيب يكتب:
كم افتقدناك يا يسلم!
خسرت مديرية رصد ومحافظة أبين يوم 20 مارس 2020م واحداً من أنبل رجالاتها ممن نذروا أنفسهم للوطن وقضاياه ولهموم الإنسان ومعاناته وتطلعاته وآماله، . . . إن المناضل يسلم راجح محمد زباده.
نشأ الفقيد يسلم في بيئة ريفية تغلب عليها بساطة الحياة ونقاء أهلها وقساوة الطبيعة وشحة مواردها، وطبعت تلك الظروف آثارها على أخلاقيات وسلوك وتربية الرجل فاكتسب منها سجايا البساطة والتواضع والصبر على الملمات وخوض التحديات ومن ثم الاستعداد للتضحية والإيثار ونكران الذات والميل إلى العمل الجماعي والاندماج في قضايا واهتمامات وتطلعات المجتمع.
في مرحلة ما بعد الاستقلال وقيام النظام الوطني الوليد في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية انخرط الفقيد يسلم مثل آلاف الشباب في معترك التحولات الاجتماعية مساهما في صناعتها مشاركا فاعلا في حماية منتجاتها كريماً معطاءً باذلاً ما استطاع من الجهد والطاقة والمال في سبيل الأهداف العظيمة التي عبرت عنها ثورة 14 أوكتوبر في مرحلة البناء الوطني والدفاع عن حياض الوطن.
انخرط الفقيد يسلم في محتلف الأنشطة الوطنية السياسية والاجتماعية، فكان عضوا نشطا في تنظيم الجبهة القومية ثم الحزب الاشتراكي اليمني، وتولى مهمات عديدة في إطار اللجان الشعبية والفلاحية ولاحقا لجان الدفاع الشعبي كما كان جنديا مخلصا في المليشيا الشعبية التي بنيت تحت إشراف وقيادة الدولة ممثلة بوزارة الدفاع، وحيثما حل الرجل أبلى بلاء حسنا وكان قدوة مثلى للعديد من الشباب من جليه ومن الأجيال اللاحقة.
ومثل أبناء جيله ساهم يسلم بنشاط منقطع النظير في المبادرات الجماهيرية التي استهدفت بناء المدارس والوحدات الصحية وشق الطرقات ولم يتردد قط في بذل الغالي والنفيس في سبيل المساهمة في الارتقاء بمستوى الخدمات الضرورية وتحسين مستوى معيشة الناس والحفاظ على المنجزات الوطنية التي ارتبط نشوؤها بالنهج الوطني الرامي إلى إخراج المجتمع من وطأة مخلفات مرحلة الاستعمار وتركاته الثقيلة من تخلف وجهل ومرض واحتراب وتنازع وتفكك اجتماعي.
لم يتلق يسلم تعليماً عالياً فقد نشأ وشبَّ وتزوج وتحمل المسؤوليات العائلية والمجتمعية قبل نشوء المدرسة التي كان مساهماً ريادياً في بنائها وتطويرها وحراستها لكنه حرص على تثقيف نفسه وتطوير معارفه من خلال توسيع الاطلاع ومتابعة التحولات المحلية والإقليمية وتطوير مهاراته المعرفية والحرفية وصار يمتلك من القدرات والمهارات ما لا يمتلكه الكثيرون من حملة الشهادات الجامعية، وعندما تولى قيادة منظمة الحزب في منطقة ظبه وعضوية القيادة المحلية في مديرية رصد ولاحقا محافظة أبين كان يعمل تحت قيادته العديد من خريجي المعاهد والكليات وكان الكثيرون منهم يسترشدون بأفكاره ومبادراته ويعملون برغبة وحب تحت توجيهاته، فقد كان حكيما بتجاربه وخبراته العملية ماهرا في قيادته لهم ونموذجا في نقاء سلوكه ونزاهة سيرته.
غادر يسلم الحياة الدنيا دون أن يمتلك رصيداً في بنك أو سهماً في مؤسسة تجارية أو عقارا للاستثمار ولا حتى سيارة للاستخدام الشخصي لكنه ترك ثروة كبيرة يحق لورثته من الأبناء والأحفاد والأهل والجبران أن يفاخروا بها . . . . إنها سيرته الذاتية المشرفة وسمعته العطرة وسلوكه المثالي وقيمه الأخلاقية الرفيعة ومآثرة الخالدة التي لا تمحوها الأحداث ولا تلوثها أوبئة الزمن وملوثاته التي نجح نظام 7/7 أن ينشرها ويروج لها على أوسع النطاقات.
لك الرحمة يا رفيقي العزيز فقد افتقدنا بغيابك عنصراً نقياً وناشطاً اجتماعياً متماسكاً وكتلةً من القيم والمعاني المنسجمة مع ذاتها طوال فترة حياتك المكتظة بالمعاني الرفيعة والمبادرات الخلاقة.
أسأل الله أن يتغمدك برحمته الواسعة وأن يجعل جنة الخلد مثواك وأن يلهمنا وكل أهلك وذويك ومحبيك ورفاقك ورؤسائك ومرؤوسيك الصبر والسلوان
وإنا لله وإنا إليه راجعون.