مرح البقاعي يكتب:
قمّة العشرين وشماغ التحدّي الملكيّ
خلال القمة الافتراضية والاستثنائية لمجموعة دول العشرين، ألقى العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز، بصفته رئيسا للمجموعة للعام 2020، كلمته الافتتاحية، والتي قال فيها “إننا نعقد اجتماعنا هذا تلبية لمسؤوليتنا كقادة أكبر اقتصادات العالم، لمواجهة جائحة كورونا التي تتطلّب منا اتخاذ تدابير حازمة على مختلف الأصعدة، حيث لا تزال هذه الجائحة تخلّف خسائر في الأرواح البشرية، وتلحق المعاناة بالعديد من مواطني دول العالم”.
وجاءت المبادرة لافتة ومسؤولة في زمن عصيب يعاني منه العالم من خطر انتشار فايروس “كوفيد – 19”.
وعلى أهمية المبادرة والقمة الافتراضية التي ضمت زعماء الدول صاحبة الاقتصادات الأعظم في العالم، وحضرها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، نستطيع أن نقرأ المشهد الدولي في ظل هذه المبادرة السعودية التي من شأنها أن ترفع من آثار هذه الكارثة صحياً وإنسانياً على المصابين بالفايروس، واقتصادياً على دخول المتضررين من الملايين في العالم.
وتُبرز هذه القمّة الدور القيادي المتقدّم الذي ستلعبه السعودية لمواجهة تحدّي الجائحة، هذا ناهيك عن تصدّيها للتحديات الجيوسياسية الإقليمية التي ما انفكت تواجهها، وأخطارها لا تقل عن أخطار انتشار فايروس كورونا البتة.
ولم تخلُ القمة من أسباب القوة والاستعداد لحرب الجائحة بما قدمت من مبلغ استباقي مقداره 5 تريليون دولار لمكافحتها، بل ما زادها رمزية تلك الصورة التي كانت ترتفع على الجدار خلف مقعد الملك سلمان وهي صورة الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود، المنقولة رسماً عن صورة أصل فوتوغرافية للملك الراحل التقطت له في العام 1930.
ظهر الملك المؤسس في اللوحة وقد لفّ الشماغ على رأسه، واضعا عليه العقال المقصّب، وذلك بطريقة لارتداء الشماغ استخدمها السعوديون قديما لإبداء أقصى درجات الجهوزية والحزم في مواجهة المهمّات الصعبة وإنجازها.
وقد أشار مركز الاتصال والإعلام التابع لوزارة الخارجية السعودية أن الصورة هي جزء رئيس بالظهور الرسمي لخادم الحرمين الشريفين وأنها ترمز إلى “القوة والعزم والانتصار”.
ونجحت القمة على مختلف المستويات، وشكّلت سابقة في تاريخ القمم لمجموعة العشرين في انعقادها عبر دائرة تلفزيونية مغلقة، حيث أظهر قادة الدول الكبرى تعاوناً كبيراً مع رئاسة القمة ودعوتها لاتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية البشرية في هذا الظرف الطارئ، وأبدوا التزامهم في بيانهم الختامي “ببذل كل ما يمكن للتغلب على هذه الجائحة، بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية وصندوق النقد الدولي ومجموعة البنك الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى”.
وقد شارك الرئيس الأميركي في هذه القمة رغم التزامه بحضوره على مدار اليوم ضمن خلية الأزمة التي شكلها البيت الأبيض إثر الارتفاع المقلق لعدد الإصابات بالفايروس في الولايات المتحدة، وعقد إثر انتهائها مؤتمراً صحافياً لتوضيح المآلات والنتائج التي خلصت إليها في مواجهة الجائحة. وكان العاهل السعودي قد طالب قادة دول مجموعة العشرين، بتعزيز التعاون في تمويل الأبحاث للوصول إلى لقاح مضاد لفايروس كورونا المستجد، وهو ما يجب التركيز عليه حالياً وتسريع إنجازه كأولوية عالمية.
جائحة كورونا ليست التحدي الوحيد الذي يواجه المملكة، وقد تكون الأولوية لها حتى يبرأ العالم بأسره من شرها؛ إلا أن السعودية ينتظرها باستمرار ذاك التحدي الأبلغ من الجار – العدوّ إيران، على المستوى السياسي، وعلى مستوى الجائحة أيضاً، حيث تعتبر إيران البؤرة الأكبر والأخطر المصدّرة لفايروس كورونا في الشرق الأوسط.
السعودية طالما خاطبت حليفتها الولايات المتحدة التي تشترك معها في العداء لنهج حكام إيران، بصوت واضح ومرتفع، مبيّنة تفاصيل الدور الخبيث الذي تلعبه إيران – الملالي، لجهة رعاية الإرهاب، وزعزعة الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط بواسطة أذرعها الميليشياوية الطائفية العابرة للحدود، وخير مثال على ذلك نجده في مشاركتها الفعلية في تأجيج الاقتتال والفصل والتأجيج العنصري الطائفي في لبنان واليمن وسوريا والعراق.
ولا تتورّع إيران أينما تسنّى لها من نشر عقيدتها الطائفية من أجل السيطرة على المنطقة ومقدراتها الجيوسياسية وثرواتها البشرية والطبيعية، وكذا لتجني ما يكفي من النفوذ المهدِّد ما يساعدها في القيام بالعديد من التجاوزات منها استخدام العائدات المالية التي تم رفع الحظر عنها إثر توقيع الاتفاق النووي بما يخدم تطوير برنامج صواريخها الباليستية، وتأمين المصادر المالية لدعم ميليشياتها المنتشرة في غير بلد عربي.
تنظر السعودية إلى سياسات إيران المتطرفة على أنها تهديد وجودي للكيان المسلم السنّي الذي تتزعمه في المجتمع المسلم السني العربي والعالم؛ فعلى أرضها تستقر مقدسات الإسلام في مكة المنورة قبلة المسلمين التي تضم أول الحرمين الشريفين المسجد الحرام، وعلى بعد 400 كم منها يقع ثاني الحرمين الشريفين المسجد النبوي في المدينة المنورة. تلك المعالم المقدسة هي القبلة التي يتجه إليها أكثر من 1.8 مليار مسلم في العالم من المذاهب الإسلامية كافة، بصلاتهم وصيامهم وكذا بحجهم إلى بيت الله الحرام كل عام.
ويشترك الرئيس الأميركي مع العاهل السعودي في هذا التخوّف من إيران ومن تهديدها الخطير للاستقرار في المملكة بشكل خاص، والمنطقة العربية بعامة.
وفي شهر يوليو، تجاوز ترامب الكونغرس ليسمح ببيع الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية. فقد أصدرت إدارته في البيت الأبيض بياناً يرفض القرار المشترك الذي أصدره الكونغرس، والذي رفض إصدار ترخيص للنقل المقترح لمواد الدفاع والخدمات الدفاعية والبيانات الفنية ذات الصلة إلى المملكة العربية السعودية.
وترى الإدارة أن بيع الأسلحة للسعودية أمر مهم للدفاع عن مصالح الولايات المتحدة وحلفائها من أطماع إيران ووكلائها في المنطقة.
وبالإضافة إلى كونه يعود بفائدة مالية على الولايات المتحدة، فإن صفقة الأسلحة تساعد أيضاً في بناء الثقة بين البلدين من جهة، وفي الوقوف موقف المتابع والمتأهب في وجه النفوذ الإيراني المتصاعد من جهة أخرى.
وينظر ترامب وإدارته بعين الإعجاب إلى رؤية 2030 التي أسس لها وليّ العهد الأمير محمد بن سلمان، لبناء السعودية الجديدة اقتصاديا واجتماعيا؛ وهم يؤيدون خطته لتحويل المملكة من اقتصاد يعتمد على النفط إلى مركز للتجارة في الشرق الأوسط.
وجاء الموقف الرسمي الأميركي على لسان أحد أعضاء إدارة ترامب وهو وزير التجارة ويلبر روس حين صرّح خلال افتتاح وليّ العهد لقمة رجال الأعمال السعوديين والأميركيين في مدينة نيويورك مفيداً “الشراكة مع المملكة ليست جديدة بالنسبة إلى الولايات المتحدة، فلقد وقفنا إلى جانب المملكة في العام 1938 حين كانوا قد بدأوا بالفعل في تطوير الموارد الهيدروكربونية، أما اليوم، وبعد 80 عاماً، تجدنا نقف معهم من جديد لأنهم على وشك تحديث مجتمعهم واقتصادهم. أعتقد أن هذه الخطوة الجديدة يمكن أن تكون أكثر دراماتيكية وأبعد مدى بالنسبة إلى القطاع الجيوسياسي برمته من قطاع الهيدروكربون”.
وتأتي القمة لتضع النقاط على الحروف في ريادة السعودية على المستوى الإقليمي للعلاقات الدولية، وتعزز من شأنها الجيوسياسي واجتهادها في تحقيق الأمن والاستقرار والازدهار الإقليمي والعالمي في آن، ولاسيما في الأوقات الصعبة، وفي قدرتها على اتخاذ القرارات الأصعب في موازاة الحدث.