د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):
هل السياسة لغة المصالح ؟؟!!
أنا لست محللاً سياسياً، ولم أعمل في السياسة وقد أخطئ أو أصيب .. ودخلتها من بوابة الإعلام بعد خروجي قسرا من وطني الجنوب واكتسبت خبرة وثقافة سياسية (متواضعة) تجعلني بالكاد أفهم ألف با السياسة فقط ..بعد كل هذه السنوات الطويلة وأعترف أنني لا أحبها ولا زلت تائها في دهاليزها حتى الآن !!
وفي هذا المجال قال محترفوا السياسة آراء عديدة ومختلفة ولعل أبرز ما قاله رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل " السياسة لعبة قذرة لا يلعبها إلا القذرون "
ولعل أطرف ما يروى عن الضابط السياسي البريطاني ماكنتوش في الستينات أثناء جولاته في إحدى المناطق الجنوبية أن قابل العديد من المواطنين من مختلف الشرائح الاجتماعية وكان أغلب كلامهم معه في السياسة فقال لهم " المشكلة أنكم جميعا تحترفون السياسة وأنتم جميعا ديكة تصرخ وإذا ما في دجاج لا يوجد بيض" وهذه مشكلتنا نحن الجنوبيون حتى اليوم الكل يتكلم ويفتي في السياسة بما لا يعلم حتى ضاع الجنوب بسبب فلسفتنا وخلافاتنا!!
ويعرف البعض السياسة بأنها فن الممكن، أي أن الممارسة السياسة تقتضي منك أن تحاول الحصول على كل ما تستطيعه من مصالحك بكل الأساليب الممكنة!!
و أرى أن هذا التعريف للسياسة مجحف كثيرًا بحقها بما أنها أداة وفن يدير العالم، ويعمل السياسيون من خلاله لتوزيع القوة والمصالح والنفوذ، والعمل السياسي أو الممارسة السياسية هي الأداء المطلوب في أعلى هرم السلطة، وفي مختلف مفاصلها ذات الأهمية.
والممكن هو شيء لا يحتاج حقيقة للسياسة، يحتاج للسمسرة فقط، لإتقان فنون التزلف للحصول على ما يُمكن أن يُعطى لك، بينما السياسة هي لعبة غير الممكن، هي لعبة الحصول على المكاسب الإضافية، لعبة التحضير للمواجهة، لعبة دبلوماسية القرار ومرونة التموضع، وتقديم الممكن وليس الحصول عليه، من أجل الوصول إلى غير الممكن، فالسياسي لا يتماهى مع الظروف من أجل أخذ ما هو متوفر، بل يتلاعب بالظروف من أجل الوصول إلى مكاسب جديدة!!
ولغة المصالح هي لغة العصر، بل لغة كل العصور، فالعلاقات بين الدول قديما وحديثا قامت على لغة المصالح المشتركة التي قد تتبدل من زمن لزمن أو من يوم لآخر فتتبدل معها التحالفات والعلاقات. لغة يتقنها كل الناس من جميع الدول سابقا، وحديثا. وهي اللغة الوحيدة التي ليس لها حروف لأنها تستخدم كل الحروف، وتمارس عمليا دون الحاجة لحركة الشفاه، أو إيقاع قادم من الحنجرة!!.
فمصالح أمريكا هي التي جعلتها تجهز جيشاً ضخماً من الجنود وتدعمه بدبابات وقنابل وصواريخ وطائرات كي يهاجم العراق ويُسقط نظامه عام 2003م لأن العراق بلد غني وفيه كمية كبيرة من البترول.. وأتضح للعالم أن الهدف من حرب العراق ليس ما قاله الأمريكان أنه "من أجل تخليص الشعب العراقي من الديكتاتورية والذهاب به إلى الديمقراطية" !!
والمصلحة نفسها هي التي قادت دول (الناتو) لمهاجمة ليبيا وإسقاط نظام القذافي.. لأن ليبيا فيها ثروة نفطية هائلة!!
والمصلحة هي التي قادت فرنسا لمهاجمة مالي بدعوى مكافحة الإرهاب.. لأن مالي غنية باليورانيوم!!
والمصلحة هي التي جعلت أمريكا وبريطانيا وفرنسا وبقية الدول الكبرى تتقاعس عن مهاجمة سوريا وإسقاط نظام بشار الأسد وتكتفي بالفرجة..
فسوريا ليس فيها إلا كمية بسيطة جداً من البترول، وليس فيها يورانيوم أو معادن ثمينة ولا أي شيء له قيمة في السوق.. والأهم أنها قريبة من إسرائيل.. وأي ضربة عسكرية ستكلف أمريكا مادياً وستشعل حرباً واسعة تشترك فيها دول وجماعات مسلحة مساندة للنظام السوري..
ولن تستطيع أمريكا ومعها الدول الكبرى تعويض الخسارة بعد الحرب!!
فعالم السياسة عموما هو عالم المصالح والغايات التي تبرر الوسيلة. ويندر أن تكون للدول مواقف تقوم على منطق القيم الإيجابية اللهم إلا إذا كان هناك ضغط شعبي داخلي على هذه الدول يحملها على ذلك!!
أما مايلز كوبلاند فله رأي آخر فهو كرجل مخابرات عريق ومتمرس فيقول :
لعبة الأمم هي لعبة لا فائز فيها, فالجميع خاسر.. هي اللعبة التي لا يحارب فيها المشاركون للفوز بقدر ما يحاربون للبقاء داخلها!!
فمعنى خروجك من اللعبة هو إعلان الحرب عليك وانك لا محالة هالك.
لعبة الأمم يقصد بها السياسات التي يتبعها قادة الدول للحصول على اكبر قدر من المكاسب لصالح الشعوب و الحكام أو كلاهما معا.
ومعنى انك تخرج من هذه اللعبة أي انك أصبحت عدوا لكل المشاركين بها لان اهتماماتك غير اهتماماتهم و انك أصبحت من الضعف بمكان جعل من السهل التخلص منك بعيدا عن إطار اللعبة.
والبعض يظن أن السياسة هي فن تحقيق المصلحة بغض النظر عن المبادئ الأخلاقية أو القيم الإنسانية وينظر إليها كوسيلة لا يهم أن تكون أخلاقية أو مبدأية طالما كانت تستهدف تحقيق المصالح الوطنية، غير أن المصالح الوطنية لا يمكن أن يحققها إلا أناس وطنيون، ولا وطنية بلا مبادئ وطنية ولا مبادئ وطنية بلا قيم أخلاقية وإنسانية، تسعى لتحقيق الغاية الشريفة بوسائل شريفة لا بإرهاب القوة، ولا بسطوة النفوذ ولا بإغراء المال!!
د.علوي عمر بن فريد