د. عيدروس النقيب يكتب:
كهرباء عدن وما أدراكَ !!!
لا أدري إن كان من يتحكمون في قرار الشرعية (المخطوفة) يعلمون وربما لا يعلمون أن مدينة عدن هي أول مدينة في شبه الجزيرة العربية تعرف الكهرباء قبل ما يقارب قرن من الزمان (1926م)!!!
لا نحتاج إلى سرد تاريخي عن تطور خدمة الكهرباء في عدن وبقية محافظات الجنوب، لكنني ما زلت أتذكر منذ أن كنت طالبا في الإعدادية (مطلع السبعينات) أن خدمة الكهرباء لم تكن تعرف الانقطاع حتى العام 1990م، وعندما كانت المؤسسة العامة تضطر إلى إجراء بعض أعمال الصيانة (وهذا غالبا ما كان يحصل خلال ساعات النهار) كانت تذيع إعلاناً عبر الإذاعة والتلفيزيون والصحف الصباحية للمستهلكين يتضمن ساعات الانقطاع ومنطقة الانقطاع الذي لم يكن يدوم أكثر من ساعتين مشفوعا بالاعتذار عن الانقطاع، ولم يكن هذا يتم إلا لمرة أو مرتين في السنة.
كانت تلك العلاقة الجدلية الطبيعية بين القاعدة (توفر الكهرباء على مدى 24 ساعة) والاستثناء (الانقطاع لساعات قليلة مرة في العام)
اليوم انقلب الهرم وصارت القاعدة هي انقطاع الكهرباء، الذي يصل إلى 4 و6 ساعات وأحيانا لأيام بلياليها الطوال، وصار الاستثناء هو مجيء الكهرباء لساعتين أو ثلاث دون انقطاع، وعندما تستمر الكهرباء لمدة 4 ساعات أو أكثر يبدأ المواطنون بالبسملة والتسبيح والحولقة والاستغفار والدعاء باليسر والفرج، تحسباً من أن تكون تلك من علامات اقتراب الساعة.
قال مدير كهرباء عدن المهندس مجيب الشعبي أن وراء انقطاعات الكهرباء سببين: الأول تقادم وعطب بعض المحطات وعدم استبدالها أو صيانتها لعدم وجود قطع الغيار، والثاني عدم توفر مادة الديزل بالكميات الكافية.
معاناة المواطنين مع هذا الملف قديمة ومؤلمة، حتى في فصول الربيع والشتاء، لأن الكهرباء ليست فقط (لمبة ومروحة) كما يقول العامة، بل إنها عصب الحياة التي لا صحة ولا مواصلات ولا اتصالات ولا تعليم ولا جيش ولا أمن ولا قضاء، وباختصار لا حياة بدونها، وعندما يحين الصيف تتضاعف المعاناة وتصل درجة لا يطيقها ضحايا هذه السياسات الفاشلة، حتى عندما تنحصر وظيفتها في (اللمبة والمروحة).
أرسل لي أحد المواطنين من عدن متسائلاً : أيعقل يا أخي أن الدولة التي تصرف ملايين الدولارات في الشهر الواحد على أولاد المسؤولين المعينين في وظائف وهمية في السفارات والقنصليات وأضعافها على الجيوش الوهمية من العسكريين والأمنيين، لا تمتلك عشرة أو عشرين مليون لشراء محطة كهرباء جديدة؟ وهل يعقل أن دول التحالف العربي التي تنفق مليارات على طلعات الطيران وتزويد الجيش الوهمي بأحدث وأثمن الأسلحة الفتاكة، عاجزة عن تخصيص كلفة عشر طلعات طيران لشراء محطة كهربائية "ويحسبونها دين لما يفتح الله علينا" (كما قال) على الأقل لتحسين سمعتهم عند المواطنين (إذا كانت هذه السمعة لا تزال تهم المذكورين)، وأردف متسائلاً: أيعقل أن الحكومة عاجزة عن توفير مادة الديزل لحاجة الكهرباء،؟ طيب لماذا لا يعقدون صفقة مقاولة مع نائب مدير مكتب رئيس الجمهورية اكبر المستثمرين في تجارة المحروقات ليتولى تزويد محطات الكهرباء بالوقود؟؟
قلت له يا صديقي وظائف الدولة لا يمكن القيام بها من خارج أرض الدولة، وكهرباء عدن وهي من أبرز هذه الوظائف لا يمكن أن تستعيد عافيتها ووزير الكهرباء ومعه كل الحكومة مخيمين في مهجرهم الأبدي حيث يتوفر السكن والكهرباء والغذاء والماء النقي والدواء وتعليم الأطفال وفوقه الجاكوزي والساونا، وكله مجانا.
أزمة كهرباء عدن ، ومعها كل الأزمات في الإدارة والقضاء والأمن والأراضي وغيرها ليست قضية فنية ولا حتى إدارية، بل إنها قضية سياسية تدار بتعمد مقصود الهدف منه هو تعذيب المواطنين الجنوبيين وإذلالهم وتركيعهم وتيئيسهم للقبول بإعادة االخضوع لجماعات الفساد والاستبداد والغزو والإفتاء بالقتل والاستباحة، وكل ما عدا ذلك تفاصيل.