عبدالرحمن الطريري يكتب:

الرعاية السعودية لداعمي اليمن

حين ينظر لواقع اليمن اليوم، لا بد من ربط ذلك بتطور الأحداث منذ العام 2011، وهذا يمنح صورة أشمل لدور المملكة في اليمن، حيث سعت المملكة ودول الخليج منذ البداية لإيجاد حل سياسي سلمي للمظاهرات التي خرجت لإسقاط الرئيس علي عبدالله صالح.

وكان الهدف من البداية تجنيب اليمن خسائر الدم التي واكبت ثورات ما سمي بالربيع العربي، خاصة النموذجين الليبي والسوري، فاليمن بلد كبير ومتشعب وهناك التشابك السياسي والطائفي والقبلي والشمالي والجنوبي، وبالتالي مواد الاشتعال أكثر بكثير من مواد الإطفاء.

بينما خصوم المملكة والدعاية الحوثية، يصورونها حربا من السعودية على اليمن، وفي حقيقة الأمر السعودية شكلت تحالفا عربيا لدعم الشرعية، بعد أن قررت ميليشيات تابعة لإيران احتلال العاصمة واعتقال الرئيس، ثم تسيير رحلات من طهران مقدمة لإعلانها عاصمة عربية تحت السيطرة الإيرانية.

ورغم أن الحرب كانت الخيار الأخير، بعد المبادرة الخليجية، ودعم الحوار اليمني “حوار الموفينبيك”، إلا أن هذه الحرب دخلتها المملكة بالجندي والطبيب معا، وزاوجت بين تحييد الخطر العسكري للحوثي، ومن وراءه حزب الله والحرس الثوري، وتعاملت بمسؤولية كبيرة تجاه الوضع الاقتصادي والإنساني الخاص لليمن.

واستشعارا بالوضع الخطير الذي سببه فايروس كورونا، عرض التحالف هدنة في شهر رمضان الماضي، تم الالتزام بها التزاما كاملا، بينما استمرت الخروقات الحوثية، والتي كان آخرها ما أعلنته قيادة القوات المشتركة للتحالف العربي، اعتراض وإسقاط طائرتين دون طيار “مسيّرة” أطلقهما الحوثيون باتجاه “خميس مشيط” في جنوب غربي السعودية.

مبادرة وقف إطلاق النار أعلنت في التاسع من أبريل الماضي، وقام الحوثي بأكثر من 5000 اختراق للمبادرة، مما يؤكد رغبة لدى الأطراف الداعمة لإبقاء الحرب مشتعلة، وأن يكون منح أولوية للتعامل مع الجائحة ليس على الأجندة الإيرانية نهائيا، وهي نفس الممارسة التي تمارسها في صراعها مع واشنطن في العراق.

بل إن الانقلاب الحوثي أدى إلى تدمير وإلحاق الضرر بنحو 60 في المئة من المنشآت الصحية في البلاد، بحسب وزير الصحة اليمني ناصر باعوم، الذي أكد على أن حجم الأضرار التي أصابت القطاع الصحي بسبب الحوثيين، أفقدها القدرة على مواجهة انتشار العديد من الأوبئة الفتاكة وعلى رأسها فايروس كورونا.

ويبدو أن الأمم المتحدة تجدد فشلها في الحصول على خطوات جادة من الحوثيين نحو حل سياسي، وآخرها تغريدة مارتن غريفيث في الأول من يونيو “بينما تستمر المفاوضات للاتفاق حول وقف إطلاق النار، وعدة إجراءات إنسانية واقتصادية لدعم قدرة اليمن على مكافحة انتشار وباء كورونا المستجد والاستئناف العاجل للعملية السياسية، تستمر جهود اليمنيين والمجتمع المدني، وبالأخص المجموعات النسوية، في مناصرة السلام مما يمنحنا الإلهام والتشجيع”.

صحيح أن الجهود كانت ولا بد أن تستمر على المستوى الإنساني، إلا أن دروس السنوات الماضية وجولات المفاوضات المتعددة من الكويت لجنيف وصولا لستوكهولم، تقول: يجب ألا ينتظر أي خطوات جادة من قبل الحوثيين، إلا بضغط عسكري، أو تغير ما يحدث في طهران.

ومن ضمن الجهود الإنسانية التي يجب أن تستمر نحو اليمن، قدمت قيادة القوات المشتركة لتحالف دعم الشرعية في اليمن التسهيلات اللازمة لسفينة حاويات مستأجرة لصالح برنامج الأغذية العالمي، متجهة من ميناء جدة بالسعودية إلى ميناء الحديدة في اليمن على متنها أكثر من 1869 طنا من المعدات الطبية و8867 طنا من المساعدات الغذائية، بالرغم من أن ميناء الحديدة تحت سيطرة الميليشيا الحوثية.

وقبل يومين عقد المؤتمر الافتراضي لمانحي اليمن برعاية سعودية، وكانت لها المساهمة الأكبر بنصف مليار دولار، كما نجحت المملكة في أن تشارك في المؤتمر 66 دولة، ضمن 126 جهة شاركت في المؤتمر، و15 منظمة أممية، وبلغ إجمالي تعهدات المانحين لليمن مليارا وثلاثمئة مليون دولار.

إن جائحة كورونا مثلت فرصة إنسانية لإعلاء صوت العقل، والبحث عن الحلول السياسية المبنية على المشاركة، فاليمن أكبر وأكثر تعقيدا من أن يحكمه ويبتلعه طرف واحد، ولكن النظام الإيراني لا يتعامل مع الجائحة إلا كفرصة لتحسين شروط التفاوض.

وبالتالي أصبح لزاما توحيد الجبهات أكثر، والتصدي للتمدد الحوثي، بالشكل الذي يضغط على خطوط إمداداته، فالتراجع في العمليات العسكرية كما يبدو من ردة الفعل الحوثية، فُهم على أنه فرصة للحوثي للتعالي على المفاوضات السياسية والاعتقاد بأنه قد لا يحتاج حلا سياسيا، وأنه سيحسم المعركة عسكريا ولو بعد حين.