عبدالرحمن الطريري يكتب:
هل السعودية مستهدفة؟
يميل الكثيرون في عالمنا العربي إلى الاتكاء على نظرية المؤامرة، وهي مؤامرة مستمرة، ومسؤولة عن كل شيء سيء يحدث لنا، مما يعفينا من بذل الجهد لوضع اليد على مواطن الخلل، بدءا من سوء الإدارة، وصولا إلى رداءة الاقتصاد، فنجهر الصوت عاليا شتما للإمبريالية، بينما يخيم علينا الصمت حين يتم الحديث عن الفساد، ولعل لبنان يمثل نموذجا صارخا لهذه الذهنية، خاصة عبر طرح أمين عام حزب الله، حسن نصر الله.
حيث يعتبر أن من حرم اللبنانيين من الدولارات، وأدى إلى أزمات النفايات والفساد، هو أميركا، وفي أحسن الأحوال اللبنانيون، من زوار السفارة الأميركية، وبالتالي يجب التوجه شرقا، بعد أن فشل المحور في القتال غربا، حيث يرفع الحوثيون في صرختهم المستوحاة من طهران “الموت لأميركا.. الموت لإسرائيل”، بالرغم من أن إسرائيل لا يتجاوز عمرها المئة سنة، وأميركا عمرها دون الثلاث مئة سنة، ومشاكلنا بطبيعة الحال أقدم من الاثنين.
شخصيا لست ممّن يميل إلى نظرية المؤامرة كثيرا، لكن في عالمنا العربي هناك أطماع قديمة جديدة في التوسع، حيث بلينا بجوار يضيق بحدوده ويحن إلى تجاوز معابره وخرائطه، حنينا إلى خلافة عثمانية، أو إلى إمبراطورية فارسية، وبينهما بذرة الإخوان التي دعمها البريطانيون في مصر، حتى تفشت في العالم العربي والإسلامي كالسرطان، ووصلت إلى الكونغرس الأميركي عبر جسر الحزب الديمقراطي.
المعارك المعلنة وازاها ما سمعنا من تسريبات تتلو تسريبات سجلها معمر القذافي، وخرجت للعلن تباعا، لتكشف الأزمة التي كان يعيشها النظام القطري، وخاصة حمد بن خليفة، والذي انشغل بطموح القفز على السور
الحزب الديمقراطي، خاصة في فترة الرئيس باراك أوباما، أجرى مراجعات حول تواجده في الشرق الأوسط، بعد حربي أفغانستان 2001، والعراق 2003، وما خسرته أميركا من جنود في المعركتين، دون تحقيق نصر نهائي في أفغانستان، ودون تصدير الديمقراطية الحقيقية للعراق، ليكون نموذجا شرق أوسطيا كما زعمت حينها إدارة بوش.
وبالتالي بدأ الضغط على الأنظمة العربية منذ نهاية فترة بوش، لكي تتّخذ خطوات أكثر نحو الديمقراطية، مصحوبة بتمكين للإسلام السياسي، أدّت على سبيل المثال في النموذج الفلسطيني، إلى انقلاب حماس في غزة، وفصل المناطق الفلسطينية بطريقة لم تجرؤ عليها حتى إسرائيل، وما تلا ذلك من محاولة لاغتيال الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وهذا ما ينتظر من أي فريق مدعوم من إيران في المنطقة، ويعتبر قاسم سليماني شهيد القدس.
هذه الرغبة في التغيير لدى الإدارة الأميركية في وقت أوباما، نضجت الظروف الملائمة لها مع ما سمي بالربيع العربي في 2011، حيث ضغطت الإدارة كثيراً لكي يتنحى مبارك، واستمرت في الضغط على المؤسسات المصرية، وصولا إلى ضغط السفيرة الأميركية بالقاهرة آنذاك لكي تعلن الانتخابات الرئاسية فوز مرسي، رغم ما تواتر عن فوز المرشح الرئاسي أحمد شفيق.
المشاريع التركية والإيرانية في المنطقة والتي لاقت هوى عند الإدارة الأميركية، مستعينة بترهات منها أن حكم الإسلام السياسي المعتدل، يجنب المنطقة مخاطر الإرهاب، وأن هذه التنظيمات لديها قبول في الشارع، دفعت إلى تسليم دول أفريقيا العربية لتنظيم الإخوان (مصر، السودان، تونس، ليبيا)، والدفع نحو تسليم دول آسيا العربية لإيران (الخليج، اليمن، العراق، سوريا ولبنان).
الإدارة الأميركية اعتقدت أن هذا التوجه في إعادة تشكيل المنطقة، قد يسمح لها بالتوجه إستراتيجيا لشرق القارة، وتركيز تواجدها العسكري في مواجهة الخصم الرئيسي الصين، وبالنتيجة التحلل من التزاماتها في الخليج، وبالتالي تواجدها العسكري، خاصة أنها لم تعد تعتمد على نفط الخليج.
هذا التوجه كان طريق الوصول إليه صعبا، دون سعودية قوية ومصر صلبة، ولهذا ردد أوباما عبارته الشهيرة التي وجهها للرئيس الراحل حسني مبارك “الآن يعني الآن”، طالباً منه التنحي مباشرة، مهدداً بإيقاف المعونة عن مصر، فكان الرد حازما من المملكة، حين قال الملك عبدالله، إذا أوقفت الولايات المتحدة معونتها لمصر فإن المملكة ستعوضها، هذا الدعم السعودي والإدراك لأهمية استقرار مصر ضمن منظومة الأمن العربي، دفع السعودية للاستمرار في دعمها خيارات الشعب المصري في اجتثاث الإخوان بعد عام كبيس من حكمهم.
السعودية أدركت أيضا المخطط الإيراني والأميركي لإسقاط النظام في البحرين، فهبت ضمن قوات درع الخليج، بمشاركة من عدة دول خليجية على رأسها الإمارات، ساهم التحرك العسكري في دعم السلم الأهلي والتصدي للمخطط المرسوم لقضم خاصرة الخليج.
التدخل العسكري أيضا حضر كآخر الدواء في اليمن، بعد أن حاولت السعودية تجنيب اليمن كل السيناريوهات الدموية في ليبيا وسوريا، عبر المبادرة الخليجية، ثم دعم الحوار اليمني “حوار الموفينبيك”، بين الفرقاء اليمنيين على مستقبل اليمن، قبل أن يعتقد الرئيس علي عبدالله صالح، أنه بتعبيده الطريق للحوثيين إلى صنعاء سيكون المنتصر الأخير.
في عالمنا العربي هناك أطماع قديمة جديدة في التوسع، حيث بلينا بجوار يضيق بحدوده ويحن إلى تجاوز معابره وخرائطه، حنينا إلى خلافة عثمانية، أو إلى إمبراطورية فارسية، وبينهما بذرة الإخوان
هذه المعارك المعلنة وازاها ما سمعنا من تسريبات تتلو تسريبات سجلها معمر القذافي، وخرجت للعلن تباعا، لتكشف الأزمة التي كان يعيشها النظام القطري، وخاصة حمد بن خليفة، والذي انشغل بطموح القفز على السور. إلا أن قصر القامة، مع وجود سور بحجم السعودية، يبقي الأحلام متكسرة على جدار السور.
هذه المؤامرات استلزمت أيضا محاولة لنخر السعودية من الداخل، ولعل ما نشرته “وول ستريت جورنال” في تقرير لها عن كمية الفساد الذي أحاط بسعد الجبري، وهو الذي بلغ منصبا عاليا في وزارة بالغة الحساسية كوزارة الداخلية، مؤشر على المشروع الإخواني في المملكة، والذي سعى لتحقيق عدة اختراقات. لكن الربيع العربي، وما تلاه، أسقط الكثير من الأقنعة وبدد الكثير من السراب.
وهذا يؤكد صواب ما ذهبت إليه المملكة، وعدة دول، من تصنيف جماعة الإخوان كجماعة إرهابية، فالاعتقاد بأنها حركة سياسية تقبل الاختلاف والتنوع وليست عنيفة، يشبه فذلكة الأوروبيين سابقا، الذين اعتبروا أن حزب الله لديه جناح سياسي لا يصنف إرهابيا، واكتفوا بتصنيف الذراع العسكري إرهابيا.
لهذا، السعودية مستهدفة، لأنها تشكل بذاتها العمق الإسلامي والسياسي والاقتصادي، وهي بدبلوماسيتها، قادرة على صنع تحالفات متنوعة عالميا وعربيا، مثل ما فعلت عبر تشكيل التحالف العربي لقيادة عاصفة الحزم، ولأنها دولة لدى قيادتها الطموح للنهوض بالمنطقة لتكون أوروبا الجديدة، وهذا بطبيعة الحال لا يروق لكثيرين.