د. عيدروس النقيب يكتب:
إضراب المعلمين بين الحق والمسؤولية
يدخل إضراب المعلمين الذي دعت إليه نقابة المعلمين الجنوبيين، مرحلةً حرجة مع اقتراب موعد بدء العام الدراسي الجديد، ما يضع الجميع، معلمين وأولياء أمور ومسؤولين تربويين أمام تحدٍ خطيرٍ يستدعي التوقف الجاد والمسؤول من أجل حلٍ متوازن ينصف أصحاب الحق ويعيد العملية التربوية والتعليمية إلى مسارها الطبيعي.
يتداخل في هذه القضية عددٌ من المؤثرات والعوامل: أولها حق المعلم في الحصول على مستحقاته المتأخرة بما فيها التسويات التي ينبغي أن تتناسب مع معدل التضخم المتصاعد وارتفاع الأسعار ومعها كل متطلبات الحياة، وثانيها مخاطر توقف العملية التعليمية والتربوية على الأجيال التي يفترض أن تكون في مقاعد التعليم طوال أيام السنة الدراسية، وثالثها العوامل الطارئة سواء على الصعيد العالمي، وأعني وباء كورونا أو على الصعيد المحلي: الحرب وتداعياتها وغياب الدولة والإصرار على تغييبها، وكل هذه العوامل تصنع لنا تلك اللوحة المعقدة والمؤلمة لكل ذي صلة بالتعليم والتربية ومخرجاتهما.
لنناقش المسألة بجميع أبعادها بعيداً عن بازار المزايدات والتمترسات من خلال المعطيات التالية:
1. مطالب المعلمين حقٌ مشروعٌ لا يقبل الإنكار ولا الاستنكار، وأزمتهم جزء من أزمة المستحقات المتعلقة بجميع الموظفين الحكوميين عسكريين ومدنيين.
2. الاعتصام والإضراب وكافة أشكال الاحتجاج للمطالبة بالحقوق القانونية حقُ مشروع، لكنه لا بد أن يأخذ مراحل من التنبيهات والتدرج والتصعيد لمنح الفرصة لمن يتعلق به الأمر ليتخذ الإجراءات الكفيلة بمعالجة أسباب الاحتجاج وهو ما يستدعي من نقابة المعلمين الجنوبيين مراجعة هذه الجزئية حتى تكتسب المزيد من مشروعية الإضراب.
3. وإذا كان الإضراب حقاً مشروعاً فإن ما هو أهم أن الجهة المعنية بمعالجة أسبابه لا تعير أذنا صاغية لأي من أسباب هذه القضية، فالمتضرر الأول من الإضراب هم التلاميذ الذين لا ذنب لهم في ما يعانيه معلموهم من مآس وآلام بسبب فشل الدولة في القيام بوظائفها، أما المسؤولون الحكوميون فلا علاقة لهم لا بمعاناة المعلمين ولا بتوقف العملية التعليمية عامةً، وهو ما ينبغي أن يأخذه الزملاء المعلمون بعين الاعتبار وهم يطالبون بمستحقاتهم المشروعة حتى لا ينزلوا عقابهم على من لا ذنب له في معاناتهم.
4. وإذا كان الحديث عن وباء كورونا منسيا في بلادنا فإنه من نافلة القول أن استئناف العام الدراسي وحتى في حالة رفع المعلمين لإضرابهم يقتضي التحسب لما لهذه القضية من علاقة بالعملة التربوية وبمصير التلاميذ الصغار، فإن الأمر ما يستدعي ممن سيتولى حقيبة التربية والتعليم، سواء في هذه الحكومة المغتربة أو في حكومة الكفاءات التي تتعثر عملية ولادتها، أن يفكر بالمسؤولية الجسيمة التي تقع على عاتقه إزاء حياة أبناء وبنات البلد من المنخرطين في عملية التعليمية.
وباختصار شديد فإن الحل العاجل والنهائي لأزمة التعليم وإضراب المعلمين هو صرف المستحقات الجارية والمتأخرة لكل العاملين في ميدان التربية والتعليم وكل الموظفين الحكوميين من المدنيين والعسكريين، والكف عن التباهي بأن الحكومة تدفع المرتبات كل ستة أشهر وتجعل من الحدث خبراً عاجلاً وكأنها أطلقت صاروخاً فضائيا لغزو كوكب زُحل أو صنعت محطة نووية لانتاج الطاقة الكهربائية.
امنحوا المعلمين مستحقاتهم مثلما تأخذون ما تستحقون وما لا تستحقون أنتم أولادكم وزوجاتكم وأقاربكم الذين عينتموهم في أرفع المواقع وأكبر المناصب ومعظمهم لا يؤدون عملا يستحقون عليه 10% مما يتقاضون.