د. عيدروس النقيب يكتب:
الحرب على عدن... وفلسفة ”أين أذنك القريبة”
يتداول العرب مثلا شعبيا ساخراً بمفردات وتعبيرات مختلفة يتخلص فحواه في أن أحدهم سأل الثعلب أي أذنيك الأقرب إليك، فرد الثعلب بالإشارة مستخدماً اليد اليسرى من وراء ظهره ليشير إلى أن الأذن اليمنى هي الأقرب، ويختصر العامة هذا المثل بالعبارة التساؤلية “أين أذنك القريبة؟”
ذكرني هذا المثل بالمتسلطين على شرعية الرئيس عبد ربه منصور هادي، حيث كان مؤيدو الرئيس يسيطرون فعلا على كل محافظات الجنوب بعد التحرير في يوليو 2015م فضلا عن محافظتي مأرب والجوف والمناطق المحررة في تعز وتلى ذلك تحرير مديريات الساحل الغربي حتى مشارف مدينة الحديدة ولم يكن يتبقى من الطريق إلى صنعاء إلّا كيلو مترات قليلة لا تتجاوز الثلاثين وكلها تقع في مرمى مدفعية المقاومة الوطنية وما يسمونه بـ”الجيش الوطني”، لكن المهيمنين على الشرعية لم يعجبهم هذا الطريق القصير إلى صنعاء، إذ لم يرق لهم من يديرون المناطق المحررة ممن قادوا علمية تحريرها بأنفسهم، حتى وهم يعملون تحت راية وقيادة الرئيس الشرعي ، لذلك اتجه “الشرعيون” بحربهم على المحافظات المحررة، بدلا من حشد كل أنصار الشرعية لتصفية الانقلاب والعودة إلى صنعاء، وقد قال قائلهم “إن تنمية محافظات الجنوب ستشجع على الانفصال”، واتهم آخرون من حرر محافظات الجنوب من أنصار إيران بأنهم “عملاء لإيران”، وهكذا اختار “المتذاكون” حول الشرعية أعداءً جدد ليوجهوا أسلحتهم نحوهم بدلاً من الاتجاه إلى صنعاء، ووصلت بهم النكاية حد تسليم محافظات الجوف والبيضاء وأجزاء من مأرب للحوثيين ليبرهنوا أن الطريق إلى صنعاء يبدأ من قرن الكلاسي في منطقة شقرة بأبين، على طريقة “أين أذنك القريبة؟”
بمجرد تسلم الأستاذ أحمد حامد لملس مهمته كمحافظ للعاصمة عدن استأنف “الشرعيون” حرب الخدمات على عدن من جديد من خلال العبث بملفات الكهربا والوقود ومرتبات الموظفين المدنيين والعسكريين، تماما كما فعلوا من قبلُ مع اللواء عيدروس الزبيدي والأستاذ عبد العزيز المفلحي وحتى مع أحمد سالم ربيع، وهو ما يشير إلى أن حرب القذائف “الشرعية” على الجنوب تسير بالتوازي مع حرب الخدمات والتجويع، وينطلق هؤلاء من فلسفة ضالة، صحيح أنها تحتشد باللؤم والخساسة لكنها لا تخلو من حماقة وغباء واضحين، تستهدف البرهنة على فشل أي جنوبي في إدارة أي محافظة، ما لم يكن من تلاميذ نفس المدرسة، التي منها تخرج المهيمنون على الشرعية، وهذه المرة تستهدف المحاولة إثبات فشل المحافظ لملس في مهمته، متناسيين أنه محافظ معينٌ من رئيس الجمهورية ويعمل في إطار الشرعية وتحت قيادة الرئيس الشرعي عبدربه منصور هادي وأن فشله هو فشل للشرعية وللرئيس شخصيا وليس للجهة السياسية التي يمثلها، لكنهم ما يزالون يتصرفون منطلقين من نفس الفلسفة الخائبة الحمقاء “أين أذنك القريبة؟”
توفى يوم أمس الثلاثا 15 سبتمبر العقيد الطيار عبد العزيز محمد الصبيحي، أمام مقر قوات التحالف العربي بعدن، بعد أن أمضى أكثر من 75 يوماً مشاركاً في اعتصام العسكريين الجنوبيين المطالبين بحقوقهم المتوقفة منذ أكثر من خمسة أشهر كجزء من حرب التجويع على الجنوب والجنوبيين، وهذا الحدث المؤلم يمثِّلُ فضيحة مدوية لمن يقومون على الشرعية ويهيمنون على صناعة القرار فيها.
وقد حملت وفاة الطيار الصبيحي رسالة عميقة الدلالة لمن يريد أن يتعلم قراءة التاريخ الجنوبي والثقافة والنفسية الاجتماعية الجنوبية، وفحواها أن أمثال الفقيد العقيد الطيار الصبيحي عشرات وربما مئات الآلاف من الجنوبيين لا يقبلون على أنفسهم الانصياع للابتزاز والخنوع لسياسات التجويع والتركيع، وأنهم على استعداد لتفضيل الموت جوعاً على الخضوع لناهبي الثروات وخاطفي السلطات وتجار الحروب والاجتياحات ومهندسي سياسات الاستباحة والنهب.
أن يشن خاطفو الشرعية اليمنيون حرب القذائف والخدمات وسياسات التجويع على الجنوب والجنوبيين فتلك مسألة مفهومة إذ إن هؤلاء يعتبرون الجنوب هو العدو الأول لهم، أما العداء مع الحوثيين فهو مجرد مرحلة عابرة وفي الغالب حالة مسرحية لها أهداف مالية واستثمارية متبادلة بين الطرفين، . . . لكن ما ليس مفهوماً هو السكوت المطبق لدول التحالف العربي على ما يمارسه هؤلاء تجاه الشعب الجنوبي من حروب متعددة، وهو الشعب الذي انتصر للمشروع العربي وحقق النصر الوحيد لصالح أهداف عاصفة الحزم ونحن نربأ بدول التحالف بأن تتصرف وكأنها تؤكد ما ينشره إعلاميو الإخوان والحوثيين بأن دول التحالف هي من يقف وراء آلام وكوارث ومعاناة اليمنيين في الشمال والجنوب.
الرحمة والمغفرة لروح الفقيد العقيد الطيار عبد العزيز الصبيحي وصادق العزاء لأهله وذوية ورفاقه ومحبيه واللعنة على من يدعي المسؤولية على البلد ويترك خيرة رجالاتها يموتون مرضا وجوعا، بينما يهرب من لمسة ضوء الشمس ونفحة النسيم أن هما اقتربا من بدنه الناعم.