د. عيدروس النقيب يكتب:
وقفة مع الزميل عبد العزيز جباري
لن أتوقف هنا عند الكثير من القضايا التي تناولها الزميل عبد العزيز جباري نائب رئيس مجلس النواب، مستشار رئيس الجمهورية، نائب رئيس الوزراء، وزير الخدمة المدنية والتأمينات السابق، رئيس لجنة مؤتمر الرياض، وعضو لجنة التفاوض مع الحوثيين ورئيس حزب العدالة والبناء في مقابلته مع قناة الجزيرة في إطار برنامج جلال شهده "بلا حدود" فقد أصاب وأخطأ مثل كل البشر ولست بصدد تقييم حديثه أو الرد عليه، كما لن أتولى الدفاع عن دولتي المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة الشقيقتين إزاء الاتهامات التي وجهها لهما الزميل جباري حول أدائهما في دعم الشرعية ومواجهة الحوثي والمد الإيراني في اليمن فلديهما من يمكن أن يقوم بالرد على ما ورد في حديث الأخ نائب رئيس البرلمان اليمني، لكنني سأتوقف عند عدد من النقاط المتعلقة برأي الزميل في ما يخص اتفاق الرياض والأوضاع في الجنوب والدور الإماراتي والسعودي في هذه القضايا كجزء من الأزمة والحرب في اليمن
* حول اتفاق الرياض يقول الزميل أبو وليد أنه لم تكن توجد مشكلة في الجنوب لكن ألإمارات صنعت مشكلة ثم جاءت تبحث لها عن حل من خلال اتفاق الرياض.
وهنا أشير أنه لو كان من قال هذا الكلام صبيٌ من صبية المدارس الثانوية في صعدة أو خب والشعف أو حتى في كعيدنة بحجة لعذرناه وافترضنا أنه لا يفهم دقائق الأمور وربما ولد بعد حرب 1994م ولا يعلم بقضية اسمها "القضية الجنوبية" يعلم الزميل جباري كل تفاصيلها وثناياها، وما القضايا التي تناولها اتفاق الرياض إلا جزئيات صغيرة في هذه القضية الكبيرة التي قيل عنها ذات يوم بأن حلها هو مفتاح الحلول لكل أزمات اليمن، لكن عند ما يصدر هذا الكلام من شخص لديه أكثر من خمس وظائف عليا ويتطلع إلى ما هو أعلى منها في حكومة الشرعية فهذا إنما يؤكد أحد أمرين وهما: إما أن الرجل صاحب الألقاب المتعددة لا يعلم شيئا عن الأوضاع في الجنوب وجرائم حرب 1994م ونضالات الشعب الجنوبي وآلاف الشهداء والجرحى الين ضحوا من أجل التخلص من هذه الحرب ونتائجها الإجرامية ، وتلك مصيبةٌ، وإما إنه يتستر على تلك الجرائم ويغالط مشاهديه ومستمعيه بطمس حقائق قد اعترف بها أبعد ألأبعدين عن الجنوب والشمال معا والمصيبة أعظم.
*. يقول الزميل جباري إن الإمارات أنشأت مليشيات في الجنوب خارج إطار الدولة، وهذه الأغنية الدائمة التي يكررها الزملاء في التجمع للإصلاح وبعض أشياعهم من أحزاب الشرعية، معتبرين انها لا تخضع للجيش الوطني ووزارة الدفاع، وأضاف أبو وليد هذه المرة اختراعاً جديداً وهو إن الإمارات أجبرت الرئيس هادي على التوقيع على تعيينات وتشكيل الوية، خارج إطار الدولة، وهذا الاتهام لرئيس الجمهورية لست مفوضا بالرد عليه لكنني أتوقع أن نستمع رداً عليه من مؤسسسة الرئاسة اليمنية.
والحقيقة أن قضية تشكيل الوحدات العسكرية من أفراد وقادة المقاومة الجنوبية التي كان لها شرف هزيمة ودحر أنصار المشروع الانقلابي المدعوم من أيران ليست منفصلة عن القضية السابقة وقد قلنا فيها الكثير والكثير وليس ذنبنا إن الإخوة لا يقرأون أو يتجاهلون ما يقال لهم ولا يريدون سماع الحقائق المرة، لكننا نكررها لهم من باب التذكير ليس إلا: عن أي جيش وطني تتحدثون؟
إذا كنتم تقصدون جيش ما قبل فبراير ٢٠١١م فهذا الجيش قد سلم زمام أمره لزعيم الحوثيين، ورجاله وقاداته يقاتلونكم اليوم في مختلف الجبهات، وكانت وحداته في الجنوب هي من سلم عدن ولحج والضالع وابين وشبوة للحوثيين والقاعدة وداعش، فهل هذا هو الجيش الذي تريدون لقوات المقاومة الجنوبية ان تعمل تحت قيادته؟؟
أما إذا كنتم تقصدون مئات الآلاف الذين جرى ضمهم من شباب الساحات في العامين ٢٠١٢ و٢٠١٣م وكلهم من شباب التجمع اليمني للإصلاح والذين قال عنهم وزير الدفاع إن 70% منهم "يلوون في الشوارع" والذين سلموا جبهات نهم والجوف وقانية والعبدية وقبلها عتمة وحجور وصرواح وميدي، وسواها للحوثيين، فأعتقد أنكم تمزحون عندما تريدون من المقاومة التي هزمت الحوثيين ان تعمل تحت قيادات سلمت مواقعها للحوثيين، إلا إذا كنتم قد اتخذتم القرار بإلحاق كل جبهات المقاومة للحوثيين وإنهاء المشكلة، وفي هذه الحالة اعلموا أن الجنوبيين ليسوا طرفا في اتفاقكم مع الحوثيين وأن قضيتهم مختلفة عن قضيتكم مع الحوثيين.
*. يقول الأخ عبد العزيز جباري أن الإمارات تحتل سقطرة والمهرة وأشار إلى حضرموت بقوله لا إرهاب في سقطرة ولا إرهاب في المهرة ولا في اي محافظة لكن الإمارات تريد ان تكون دولة عظمى على حساب اليمن.
هناك قضايا كثيرة يمكن التوقف عندها في هذه القضية، منها
أ. إن الزميل ابا وليد ينكر نهائيا وجود إرهاب في مناطق الجنوب، وهذا يفعله زميلنا من باب العناد والمكايدة إما الإرهاب فهو موجود ويعلم به هو وكل مسؤول في اليمن ولديهم التفاصيل الكاملة عمن أتى بالجماعات الإرهابية من أفغانستان ومن رعاها ومولها وسمح لها بالتوسع والاستقطاب واستخدمها في حرب 1994م ضد الجنوب، لكنني سأذكر الزميل جباري فقط بحادثة تسليم محافظة أبين لجماعة "انصار الشريعة" في العام 2011م من قبل زميله المحافظ حينها أحمد الميسري الذي جرت معاقبته بترقيته إلى وزير داخلية ونائب لرئيس وزراء، وتستر الزميل جباري على هذه القضية يضع اسمه وحديثنا وحديث الناس عن نزاهته ووطنيته أمام عدة علامات استفهام.
ب. يعلم الزميل جباري أنه حتى العام ٢٠١٥م لم يكن للجنوب وجود في المؤسسة العسكرية اليمنية فقد كان لا عسكري إلا ممن جاءوا الجنوب بعد ٧/ ٧ /١٩٩٤م ومن ناصرهم من الجنوبيين وهم لا يتجاوزون المئات وربما العشرات وأن القيادات والجنود وحتى مرافقي كبار المسؤولين الجنوبيين في محافظاتهم ومرافقهم هم مما وراء نقيل سمارة وغالبا مما وراء نقيل يسلح.
وهذا الأمر ينطبق على سقطرى والمهرة وصحاري حضرموت وكل شبوة بعد اجتياحها في اغسطس ٢٠١٩م التي تنتشر فيها عشرات المعسكرات والألوية الشمالية، التي إن وجد فيها جنود جنوبيون فلن يزيدوا على أصابع اليدين في المعسكر الواحد، ولا ادري كيف يتصور الزميل نائب رئيس البرلمان لستة مليون جنوبي ان لا يكون لهم حضورهم العسكري والامني على ارضهم، وانهم إذا ما قرروا أن يحرسوا ارضهم ويديروا مرافقهم أو أن يواجهوا الإرهاب والتخريب في مدنهم ومحافظاتهم فإن هذا احتلال إماراتي؟
قلت في البداية أن الزميل جباري يعلم من التفاصيل عن قضية الجنوب ما اعلمه انا وقد تحدثنا بشكل شخصي عشرات المرات عن هذه القضية، وشارك هو في مناقشتها أكثر مني على مدى أحد عشر شهرا في حوار موفنبك، لكن "عقدة الديك وحبة الذرة" ما تزال تستحكم في العقليات السياسية لمعظم إخوتنا الساسة الشماليين، فهم الحبة والإمارات هي الديك الذي يريد ان يلتهمهم، فثورة الشعب الجنوبي منذ ٢٠٠٧م صنعتها الإمارات، والملايين الستة من الجنوبيين الرافض غاليبتهم لنتائج حرب ١٩٩٤م صنعتهم الإمارات، ودحر الجنوبيين للحوثيين والقاعدة صنعتها الإمارات، وتمسك الجنوبيين بحقهم في استعادة دولتهم صنعته الإمارات، ورفضهم لحرب الخدمات وسياسات التجويع والإفقار والتمييز صنعته الإمارات، ومطالبتهم برواتبهم والخدمات الضرورية من كهرباء وماء ودواء وغذاء وتعليم وأمن هي مؤامرة إماراتية، وبعد كل هذا يستنكرون على الإمارات أن تكون دولة عظمى، . . . بصراحة أخي أبا وليد إذا كانت الإمارات تفعل كل هذا وأنتم بملايينكم العشرين لا تستطيعون عمل شيء إزاءه، فقد برهنتم على إنها دولة عظمى بلا منازع وبلاحاجة لأي دليل إضافي.
إننا لا نتنكر للدور الإماراتي والسعودي في دعم مواجهة الشعب الجنوبي للغزو الحوثي ومن حالفه في العام 2015م، والإمارات مع السعودية قد قدمتا أضعاف هذا الدعم للقيادات الشمالية على مدى ست سنوات، لكن السؤال هو أين ذهب دعمهما لكم؟ أما في الجنوب فقد أثمر هذا الدعم عن دحر الجماعة الانقلابية في أقل من مائة يوم، ولست مضطرا لتبيين لماذا أثمر هذا الدعم في الجنوب ولم يثمر في الشمال، فأنت تعلم وأنا أعلم وكل الساسة الشماليين يعلمون لكنهم يتحرجون من قول الحقيقة لأسباب نعلمها أنا وأنت، لكن الانطباع السائد لدى معظم المراقبين أن الإخوة القادة الشماليين ينتظرون من الإمارات والسعودية أن ترسلا جيشيهما ليقاتلا الحوثيين نيابة عنهم ويبقون هم متكئين على أرائك الانتظار ليسلهم التحالف العربي صنعاء وبقية المدن بعد أن ينتزعها لهم من الحوثيين.
وبوسعي هنا أن أكرر للزميل جباري ما سبق وقلناه عشرات المرات لسواه، وهو أن الشعب الجنوبي وثورته ونضالاته قائمة منذ عقود قبل دخول القوات الإماراتية والسعودية التي انتم من استدعاها وليس الجنوبيون وما اتهامكم للسعودية والإمارات بأنهما تسعيان إلى تمزيق اليمن إلا هروبا من الاعتراف بفشلكم في إقناع الشعب الجنوبي بأنكم مؤهلون للقبول بدولة مواطنة متساوية بين كل أبنائها، ورفضكم للاعتراف بأن "وحدة اليمن" قد ماتت وشبعت موتا ليلة سحقتها سنابك الدبابات ونيران المدفعية الغازية في العام 1994م.
وأخيرا عندما تصدر كل هذه الأقاويل المتعالية والمتعجرفة والقافزة على حقائق التاريخ والجغرافيا من قبل مسؤول كبير طاف على نصف درزينة من المناصب في حكومة الشرعية وبرلمانها وما يزال يتطلع إلا ما هو أعلى وأكبر فإن هذا يعني أن حرب الغزاة على الجنوب ما تزال في بداياتها وأننا أمام مراحل تكسو العتمة معظم تجاويفها وانعطافاتها السوداوية، وإن النخبة السياسية الشمالية التي يمثل الزميل جباري أحد وجوهها ما تزال مصممةً على دفع الشعب الشمالي الشقيق نحو المزيد من المهالك والمتاهات والخيبات.
ورحم الله امرءآ عرف قدر نفسه.