نحو سحق إعلام «الإخوان».. يا إخوان!

حينما انطلقت قناة «الجزيرة» في منتصف تسعينيات القرن الماضي، شكلت بالفعل نقلة في تعاطي الإعلام العربي التقليدي مع القضايا المتعلقة بالوطن العربي، من الفقر إلى البطالة، ومرورًا بكل تأكيد بالملفات الأكثر سخونة، والمتعلقة بالأوضاع السياسية، وما يتصل بذلك من حديث عن الديمقراطية والحياة المدنية والحقوق والمساواة وغير ذلك.

سرعان ما اجتذبت القناة ملايين المشاهدين، فقد كانت تطرح ملفات بجرأة غير معهودة، وقدمت إلى المشاهد العربي المتعطش لشيء من الفوضى «الجميلة» وجبات سياسية وفكرية مثيرة، فبرنامج «الاتجاه المعاكس» على سبيل المثال، والذي كان من أوائل البرامج التي طرحتها القناة، كان يحمل من الحبكة ما يريده المشاهد العربي من سخونة وإثارة تصل إلى حد التراشق بالشتائم والضرب، وغيره من البرامج الأخرى التي قدمتها القناة.

وبعد عدة سنوات من انطلاقها، انكشف جليًا أنها لم تكن قناة «الرأي والرأي الآخر»، بل كانت تعمل وبشكل دقيق ومرسوم نحو تنفيذ أجندة واضحة المعالم، وتمثيل رأي واحد، وتغليب رأي واحد، هو رأي وصوت وموقف الجماعات الدينية المتعصبة الراغبة في الانقضاض على السلطات. تمكنت القناة من إجراء المقابلة الشهيرة مع أسامة بن لادن، وكان مراسل القناة تيسير علوني مفتاحًا للوصول إلى بن لادن في أفغانستان، واتُّهم علوني دوليًا في مرحلة لاحقة بصلاته بتنظيم «القاعدة».

روجت القناة كثيرًا لفكر تنظيم «الإخوان المسلمين»، وروجت للجماعات الشيعية المتطرفة في البحرين والسعودية، وروجت لتنظيم «حزب الله»، وهاجمت الدول العربية وحكوماتها، وعملت بشكل مستمر لتحريض الشعوب على الحكومات، بل مارست دورًا داخل الدول التي شهدت قلاقل واضطرابات لا يمكن توصيفه إلا بأنه دور استخباري، يعمل لصالح توظيف المعلومات والإعلام باتجاه يحقق الأهداف المرسومة سياسيًا.

في عام 2011، حانت اللحظة التي انطلقت من أجلها قناة «الجزيرة»، والكل يذكر كيف أن الهاربين من سجن «وادي النطرون» من عناصر تنظيم «الإخوان»، ومن بينهم الرئيس المصري الأسبق محمد مرسي، كانوا على اتصال مباشر بقناة «الجزيرة» لحظة فرارهم من السجن من خلال جهاز اتصال «الثريا» الفضائي! لقد روجت «الجزيرة» لفوضى عارمة في الوطن العربي، وكان لها ذلك، وتسيدت وسائل الإعلام كلها فترة من الزمن، إلى أن حانت لحظة سقوطها، والشعب المصري بثورته في 30 يونيو هو من أسقط قناة «الجزيرة»، وداس على عقيدتها، ولقَّنها درسًا قاسيًا، لتتوالى نكسات القناة مع سقوط مشاريع تنصيب «الإخوان» واحدًا تلو الآخر. واليوم تأتي دول التحالف الرباعي لتستكمل مسيرة سحق هذه القناة المارقة وطرد مرتزقتها الذين جعلوا من الإعلام وسيلة تحريض وانقلابات كبرى لا وسيلة معرفة وثقافة وعلم وحضارة.