د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):

الزمن الجميل..هل هو الحنين إلى الماضي ؟!!

 الكثيرون منا لا زالوا مسكونين بالماضي " الجميل " هكذا يعتقدون أن الأيام والسنين الخوالي في مقتبل العمر أسعد حالا من هذه الأيام السوداء المظلمة التي انقلبت فيها حياتهم رأسا على عقب.
أعترف بأنني وكثيرين أعرفهم نحن إلى الماضي، وفينا من تجاوز، فراح يلعن الحاضر الذي خدعه وخيب آماله وبقي أسيرا لماضيه ، يحن إلى قصيدة وحديث ورحلة حب ومشوار صداقة، وقد لا يحن إلى زمن بأكمله. وكم واحد منا امتدت يده إلى بعض أوراقه وصفحات في مذكراته فأحرقها أو مزقها. لأنها لو بقيت ستظل تذكره بأن ليس كل الماضي زمنا جميلا

وفى كتاب لعالم الأجناس "كلود ليفى شترواس" أشار إلى أن الهنود الحمر فى أمريكا الجنوبية كانوا يحنون إلى زمن جميل حيث الحصول على الغذاء لا يحتاج إلى جهد، والجاموس لا يحتاج صيده إلى مطاردة، والشتاء لا يأتي بالبرد والصيف لا يأتي بالحر. ولكنهم يعترفون أن الناس لم تكن تعيش طويلا.
أما فولتير فكتب في عام 1764 تحت عنوان «الزمن القديم الجميل» يقول «لدينا أشياء نحن فيها أرقى من القدماء وأشياء هم أرقى منا!!
وهذا الحنين ليس قاعدة وقانونًا ساريًا على البشر جميعاً، فمن ماضيه مؤلم وعاصف بأحداث خلفت ندوباً نفسية لن يحن إلى ماضيه ولو حفر في ذاكرته، فيظل يتذكره دون أن يحن إليه. نتداول ما بيننا نحن العرب في وسائل الإعلام الاجتماعي وصف (الزمن الجميل) فهل هو كذلك؟ كما قلت بدءاً فإن الإنسان يسترجع بحنين وبين الحين والآخر ذكريات طفولته وشبابه اليافع، أول يوم له في المدرسة أو الكلية، أول وظيفة يشغلها، أول حالة عشق، قصة خطبته لزوجته وغيرها من أحداث شكلت ألوان الطيف لقصة حياته. وحالة أخرى ينشأ معها الحنين إلى الماضي، وهي تدهور الحاضر وقتامة صوره، وهذا حال الأمة العربية تحديداً، فاسترجاع أمجاد الماضي أمر طبيعي طالما الحاضر قاتم ومزري، واتهام من يستعيد أمجاد وبطولات الأمة وحضارتها بأنه ماضوي أو ربط هذه الحالة بالتخلف عن قطار الحضارة هو تفكير سطحي وقصر نظر، إلا إذا كان التعلق بالماضي لدرجة النكوص والانعزال عن الحاضر والنظرة إلى الأمام. ودون شك أن الاستغراق في الماضي وإدمان استرجاعه خلل في الرؤية واستشراف المستقبل، فالوسطية سمة حضارية وهي نتاج اعتدال نفسي ونضج عقلي!!
إن استخدام وصف (الزمن الجميل)، يذكرنا بأن وقتنا الحالي افتقر الناس فيه إلى البساطة أو العفوية وطغت الكلفة في أمور كثيرة، وتسارع فيه إيقاع الحياة وتزاحمت المطالب المعيشية، بعضها قسراً وبعضها الآخر نتاج سلوكيات فردية واجتماعية. لذلك فوصف العقود السابقة بالزمن الجميل تعبير عن الحنين إلى البساطة والهدوء النسبي في إيقاع الحياة.
ورغم أنني لا أنكر أن الوضع العربي في الماضي كان أجمل منه في الحاضر إلا أنني لا أجيز التعميم فليس الماضي كله حلوا وليس كله مرا !!
وأنا كمواطن عربي ومن العامة مثلي لست مسكونا بالماضي كله بل بلحظات تاريخية مضيئة لمعت كالبرق في ظلام دامس لواقع العربي مثلت أحلامنا وأمانينا في تغيير ذلك الواقع التعيس ولكننها تبخرت !!
إلا أننا لا ننكر أن هناك شرائح من المثقفين العرب لا زالوا مسكونين بالماضي الذين يرونه جميلا من زاوية واحدة فقط ومنهم الكاتبة الليبية " ياسمين الشيباني " التي كتبت تقول : (عندما كان في بلدي ليبيا دكتاتور)
كان هناك أكثر من ثلاثة عشر جامعة ما بين جامعات تخصصية وتقنيه منتشرة في المدن والقري ناهيك عن المعاهد العليا .
عندما كان في بلدي دكتاتور
كان الآلاف من الطلاب يبعثون من أجل الدراسات العليا في أرقي وأعرق الجامعات في أوروبا وغيرها في مختلف التخصصات العلمية والإنسانية ..
عندما كان في بلدي دكتاتور وصلت المرأة إلى أعلى المراتب العلمية والقانونية والاجتماعية والعسكرية . و لم تقف المرأة الليبية مهانة في طوابير الخبز والمصارف في كانت المرأة الليبية مصانة ومكرمة.
كنا نوزع الكهرباء علي دول الأشقاء المجاورة. كانت ليبيا نور علي نور من شرقها لغربها لجنوبها ولم يتباه بذاك الدكتاتور . كان فيها مليون حافظ ويزيد لكتاب الله فالزوايا كانت في كل مكان من أجل التحفيظ في المساجد .
عندما كان في بلدي دكتاتور لم يخف المواطن الليبي أن يجوب في بلاده من الشرق للغرب حتى ولو كان سيراً علي الأقدام.
و لم يفكر الليبي في الهجرة ومغادرة أرضه التي قدموا أجدادنا أرواحهم لها .
بعد عشر سنوات عيش في القهر والموت الذي حاصرهم هل أدركوا ما هم فيه ؟!
وختاما نقول لأختنا الليبية : هل الوضع اليوم في سوريا والعراق ولبنان واليمن وليبيا وتونس والسودان أفضل منه بالأمس القريب ؟؟
وأخيرا لو ابتعدنا قليلا عن العواطف عما جرى في بلاد العرب فإن إرهاصاته ومقدماته قد بدأت تلوح في الأفق منذ عقود ولكن العرب كعادتهم يدفنون رؤوسهم في الرمال وهم يعلمون أن المؤامرات عليهم قد بدأت منذ أكل الثور الأبيض ولكنهم لا يتعلمون ولا يتعظون !!
د.علوي عمر بن فريد