قطر والإخوان.. من يخدع من؟

«الإخوان المسلمون» هو اسم للجماعة الإرهابية الأم التي تسببت في ضرر الإسلام وتشويه صورته في العالم، وأنتجت تنظيم «القاعدة» في أفغانستان والسعودية، و«داعش» في العراق والشام، و«حماس» في فلسطين. كما أن التنظيم «الإخواني» أنتج موروثاً مدلساً مزيفاً، لا يمت للإسلام بصلة، أجاز فيه العمليات الانتحارية وشرع فيه وصدّر لحاكمية الخوارج، كما تسبب في إنتاج الإسلامفوبيا، وأسس للخروج على الحكام في العالم تحت ذريعة الظلم والاستبداد والأثرة. فوفق عقيدة الإخوان، أن أولئك الحكام ليسوا من التنظيم الإخواني ولا متعاونين ولا متعاطفين، فكانت هذه «الجريرة» السبب الأول في إفتاء «الإخوان» بإسقاطهم، ولو كان قد احتواهم فترة من الزمن.

إلا أن «الإخوان» قومٌ غادرون، لا يفون بعهد، ولا يحفظون معروفاً. مسيرة «الإخوان» في خداع الحكام طويلة وتحتاج إطلالة للتذكير فيما هم يواصلون خداع حكام قطر بأنهم الأقرب لهم من أشقائهم الخليجيين.

أقنعوا معمر القذافي، من باب ابنه سيف الإسلام بأنهم تابوا عن مساعيهم في السيطرة على الحكم. صاحب «الإخواني» علي الصلابي سيف الإسلام وأوحى له بأنه أقرب إليه من أبيه. انظروا أين القذافي الأب وأين القذافي الابن، وأين منهم الصلابي وما يقوله عنهما؟ أقنعوا بشار الأسد بأنهم قلبوا صفحة مع نظامه وأنه بتقاربه مع «حماس» وتركيا وقطر، صار حليفهم وحرضوه على السعودية وقال ما قاله عن قادة السعودية. «الإخواني» صدر الدين البيانوني قال في حينها إن نظام الأسد يستحق كل الدعم لأنه يواجه الغزوة الاستعمارية الصهيونية. أنظروا إلى أين وصل «الإخوان» مع الأسد وكيف أحرقا سوريا سوية. أقنعوا علي عبدالله صالح أنهم حلفاؤه ضد أهل بلده في الجنوب واستولوا تحت راية الوحدة على كل ثروات الجنوب أولاً ثم صادروا الأعمال في كل اليمن. صالح أعطاهم كل شيء ومنح حمدي الأحمر و«الإصلاح» ما لم يمنحه لغيرهم في اليمن. أنظروا كيف آلت الأمور في اليمن وكيف دمر «الإصلاح» البلاد فاتحاً الطريق إلى أكبر تحالف انتقامي بين «الحوثيين» وصالح.

من استفاد من أزمات سوريا واليمن؟ إيران. ما هذا التمهيد «الإخواني» لإيران الذي يعود ويتكرر مرة بعد مرة؟ اليوم «الإخوان» مع قطر كما كانوا مع غيرها. العلاقة «الإخوانية» القطرية ممتدة عبر التاريخ، وقد يجوز أن نقول إن الإمارة الصغيرة أصبحت جزءاً حقيقياً من التنظيم العالمي للجماعة، أو العكس صحيح، وإن الجماعة أضحت أداة وموظفة لدى السياسات الخارجية القطرية.

وصلت موجة «الإخوان» الأولى إلى قطر من مصر عام 1954، وذلك بعد أزمتهم مع الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر. الجماعة عقب الموجة الأولى نالت ثقة حاكم قطر آنذاك الشيخ علي بن عبدالله آل ثاني، حيث هيأ لهم إنشاء تيار إسلامي داخل قطر، وكان لهم تأثير كبير على المجتمع البدوي المحافظ في قطر الذي لم يتعدَ أفراده في سنوات الخمسينات عشرات الآلاف من المواطنين.

الوجود «الإخواني» في قطر الذي تجاوز التعاطف إلى تبنّي المواقف، لدرجة أصبحت السلطات القطرية تراهن على موقفها هذا، ويبدو أنها غير مستعدة للتنازل عنه أو تغييره. التبنَّي القطري الواضح لمشروع «الإخوان» تحول إلى نهج دولة، وليس فقط جغرافية مناطق آمنة لقيادة «إخوانية» مطاردة أو مطلوبة من دولها. هناك تسعة من قيادات «الإخوان» من رفقاء حسن البنا هربوا إلى قطر منذ الصدام مع جمال عبدالناصر، وهم الذين زرعوا أفكار «الإخوان» في قطر وانتشروا في مؤسسات حيوية مؤثرة، منهم على سبيل المثال يوسف القرضاوي الذي سيطر على جامعة قطر وأنشأ كلية الشريعة، وعبدالبديع صقر الذي ارتقى في المناصب حتى وصل إلى منصب المستشار الثقافي لحاكم قطر، وحسن المعايرجي الذي وصل إلى أرفع المناصب في وزارة التعليم للدرجة التي جعلته يقوم بالتدريس للشيخ حمد بن خليفة، وأحمد العسال الذي عمل في قطر طوال فترة الستينيات، وعبدالحليم أبوشقة الذي ألف الكثير من الكتب المتعلقة بالمرأة في قطر، وسيطر على الجمعيات الخيرية، وكمال ناجي وعزالدين إبراهيم وعبدالمعز عبدالستار من الرعيل الأول لـ «الإخوان»، وتولى تأليف الكتب المدرسية القطرية، وأيضاً سيطر على الجمعيات الشرعية والأوقاف.

وصلت الموجة الثانية من سوريا في سنة 1982 بعد أن اصطدم حافظ الأسد بـ «الإخوان» في مدينة حماة، ودفع المدنين الآمنين ثمناً باهظاً بتدمير جزء كبير من مدينتهم. المجموعة الثالثة وصلت قطر في أعقاب أحداث 11 سبتمبر قادمة من المملكة العربية السعودية، ووصلت الموجة الرابعة من الجماعة للدوحة بعد طرد قادة حركة «حماس»، وعلى رأسهم خالد مشعل من الأردن. وكانت الموجة الخامسة مصرية أيضاً عقب سقوط الجماعة وعزلها.

موجات «الإخوان» جميعها ركزت على التوغل في المؤسسات القطرية، والتواصل مع القيادات السياسية، كما ركزت الوفود الشعبوية على العمل في المؤسسات التعليمية، وهو ما أثر بالفعل في توغل الجماعة في كل مؤسسات قطر فيما بعد، ومارست هذه الحركة أدوارها في التربية والإغاثة والعمل الخيري، والتي كانت تزاولها عن طريق الجمعيات والأندية والمؤسسات واللجان الخيرية. في فترة التسعينيات انقسم جسم الجماعة القطري، وأصبح هناك قسمان، فبرز تيار ركز على الأمور التربوية والمؤسسات التعليمية، وحلقات حفظ القرآن، والأُسَر، والتعليم الشرعي. وتعاون القسم الآخر مع التنظيم العالمي للجماعة. إلا أنه فيما بعد أعلن عن حل نفسه في عام 2003 بعد ضغوط، وخوفاً من أن ينال الجماعة أي تفتيت بعد الضغط الخليجي، وحرصاً على أن تمرر الجماعة ذاتها بسهولة في المجتمع القطري.

في عام 1995 تولى حمد بن خليفة الإمارة في قطر وبعدها أنشأ قناة «الجزيرة»، وبدأت الدوحة تبحث عن دور إقليمي، وربما دولي، في حدود ما يسمح به الأميركان.

في هذه الفترة، استغل حمد وجود «الإخوان»، وأصبح من ساعتها «الإخوان» موظفين رسميين لدى المخابرات القطرية (البعض لا يتردد في القول إن المخابرات القطرية قسم من أقسام التنظيم العالمي للإخوان). فالإمارة الصغيرة لا تملك أدوات صنع الصراع الرئيسة، وهي القوة البشرية والجغرافيا «مساحة وموقعاً»، ولا تستطيع -كما غيرها من الدول العربية- إنتاج تكنولوجيا، لذا اعتمدت على «الإخوان» كأداة من أدوات «القوة الناعمة».

مولت قطر «الإخوان» عن طريق عبدالرحمن النعيمي، الذي أنشأ «منظمة الكرامة لحقوق الإنسان»، ومقرها الرئيس في جنيف بسويسرا، ولها فرع بالدوحة، وجميع أعضائها من المنتمين لجماعة «الإخوان»، ويمثلون الأغلبية في التنظيم الدولي للإخوان، وهم من المطلوبين أمنياً لدى كثير من أجهزة الأمن العربية، ومنهم رشيد مسلى وعباس العروة وخالد العجيمي وعبداللطيف عربيات. أما النعيمي فهو أيضاً موضوع على قوائم الإرهاب كممول رئيس، للجماعات الإرهابية في العراق وجبهة «النصرة» في سوريا وجماعة «الشباب» في الصومال وغيرها.

عقب الثورة المصرية اجتمع خيرت الشاطر بحمد بن جاسم، وطلب منه قبل الانتخابات الرئاسية المصرية أن يخبر أميركا أن «الإخوان» سيحافظون على كامب ديفيد، وجميع العلاقات الدولية بالدول الغربية، وفى المقابل طلب دعماً مادياً، وهو ما وفرته قطر بالفعل للجماعة، عن طريق بنك قطر الإسلامي، حيث يتم تحويل الأموال إلى حساب بنكي يخص «أكاديمية التغيير» التي يديرها هشام مرسي زوج ابنة الشيخ يوسف القرضاوي.

الناظر اليوم، يرى «الإخوان» وقطر جسماً واحداً. ولكن تاريخ «الإخوان» يجب أن يقلق قطر أكثر من غيرها. قطر و«الجماعة» تاريخ من العلاقات والمؤامرات، فلا تستعجبوا مما يحصل، ومن إصرار الأمير الصغير على دعم الجماعة حتى الآن. حقيقة: أن قطر تظن أنها ستستطيع الهيمنة على الخليج واحتلال مكانة السعودية في العالم بالاستعانة بـ«الإخوان»، وما تعلم حكومة قطر المراهقة ذات الخبرة الضعيفة أن «الإخوان» في أي وقت يقلبون على حليفهم ظهر المجن، مهما أغدق عليهم من الأموال وأعطاهم الجنسيات ومنحهم الحصانة واللجوء السياسي والعسكري، وأنه متى ما سنحت الفرصة لـ «الإخوان» في قطر، فإنهم سيقومون بالانقلاب على تميم وأمه وأبيه لأخذ الحكم دون أدنى تكلفة، الأمر لا يكلف أكثر من فتوى من الكاهن يوسف القرضاوي الذي يمثل المرجعية «الإخوانية» الدموية التي وصفت نفسها بخطيب الفتنة. «الإخوان» لديهم ولاء واحد هو أنفسهم. وموهوم من يعتقد أنه يطوعهم لخدمة سياساته.

كاتبة إماراتية