د. عيدروس النقيب يكتب:

ثورة أكتوبر الخالدة عند ما يحتفي بها الخاطفون

م تكن ثورة الرابع عشر من أوكتوبر المجيدة حدثا عابرا ولا حالة شغب عسكرية أو تمرد قبلي أقدمت عليه مجموعة من المراهقين أو المشاغبين السياسيين لهدفٍ وقتي عابر، بل لقد كانت لحظة طفرة نوعية في العمل النضالي المقاوم للاستعمار والهادف للتحرير والاستقلال وتقرير مصير البلد بإرادة أبنائه واستعادتهم سيادتهم على أرضهم.

في علم الاجتماع السياسي يقول المختصون أن الثورات لا تقوم بالرغبة أو الخديعة او المصادفة أو المؤامرة لكنها تندلع بفعل عوامل داخلية وخارجية عديدة أهمها:

· عجز النظام القائم عن الاستمرار بآلياته القديمة وعدم قابليته للتجدد.

· رفض الشعب لهذا النظام واستعداده لتحمل تبعات عملية تغييره (أي تغيير النظام) مهما كانت عالية الكلفة.

· وجود أداة سياسية مؤهلة لقيادة عملية التغيير وبلوغها مراماتها النهائية وفقا لرؤية سياسية منضجة تحدد معالم طريق التغيير ومراحله وأهدافه الاستراتيجية ووسائله التكتيكية.

ولا نحتاج إلى الكثير من البراهين على أن ثورة ?? اوكتوبر ????م كانت قد توفرت على تلك العناصر الثلاثة، وهو ما أمن سيرها في طريق الانتصار الذي لعب العامل الخارجي في تحقيقه دوراً مساعداً مهماً خصوصاً بعد الإطاحة بالنظام الإمامي الثيوقراطي في شمال اليمن والتحام النظام الجديد بالثورة المصرية وما قدمه نظام الزعيم الخالد جمال عبد الناصر من دعم لثورات التحرر الوطني العربية ومنها ثورتا سبتمبر وأكتوبر والثورة الجزائرية وغيرها.

ولهذا فإن انتصار ثورة اكتوبر وتحقيق الاستقلال الوطني في الثلاثين من نوفمبر عام 1967م لم يكن إلا محصلة لتلك العوامل الموضوعية والذاتية المكتملة النمو والنضج.

في أحد منشوراته كان الزميل د محمود السالمي أستاذ التاريخ المعاصر بجامعة عدن قد اشار إلى ظاهرة جديرة بالملاحظة وهي ظاهرة "تناقض ونفاق  مواقف الذين يمجدون الثورة ويحتفون بها، ومن جهة أخرى يلعنون ويحتقرون الجبهة القومية التي قامت بها".

وهي ملاحظة جديرة بالتوقف.

إنها تلخص ظاهرة أعم يا صديقي العزيز، هي ظاهرة السطو والاستحواذ.

ففي إطار هذه الظاهرة يأتي احتفال أعداء الثورة بالثورة كعملية احتكارية يمارسون من خلالها الاختطاف، حتى وإن كان المخطوف هو الفرح كحق من حقوق الناس الذين اعتبروا الثورة ثورتهم.

نعم إنه النفاق وهي سمة ملازمة للجماعات الانتهازية وجماعات الاستبداد والطغيان، فهؤلاء ليس لديهم ما يمنعهم من فعل الشيء ونقيضه، فهم يلعنون قادة ثورة اوكتوبر ويدمرون منجزاتها ويستولون على مكاسبها ويقمعون الطبقات الاجتماعية التي آزرتها ويحتقرون الشعب الذي فجرها ونصرها والتف حولها والشهداء الذين ضحوا بأرواحهم من أجلها والقادة الذين خططوا لانتصارها، لكنهم لا يتورعون عن الاحتفال بالمناسبة كحدث معلق في الهواء معزول عن مساره التاريخي وصُنَّاعه الابطال وشهدائه الابرار ومنجزاته التاريخية بل ويعتبرون هذا العيد الوطني هو عيدهم وحدهم وكل من يخالفهم هو عدو العيد حتى لو كان من صناع الثورة التي هو عيدها أو من أبطال انتصارها.

إنهم لصوص الثورات والثروات الذين لم يدعوا للبسطاء شيئا يبتهجون به ولو على سبيل الذكريات بعد أن بسطوا على الارض وما فوقها وما تحتها، والسلطة وما في حكمها وما في نطاقها مما هو مادي ومعنوي، وهم بذلك يفعلون ما يفعله ذلك العِنِّين الذي يختطف طفلاً ليتبناه، فيسومه سوء العذاب ثم يقيم له حفلة عيد ميلاد مدوية يبتهج فيها هو بينما ينتحب الطفل من شدة الأنين والألم.

إنهم ينفضحون كل عام عندما يتغنون بالثورة وكأنها كائن خرافي غامض مقطوع الصلة بالأرض والتاريخ والجغرافيا وبالناس الذين صنعوها والذين صنعتهم.

ماذا عساهم أن يقولوا عن ثورة أكتوبر ومنجزاتها؟

· هل سيقولون أنها صنعت الدولة الجنوبية الموحدة على أنقاض أكثر من 23 ولاية ودويلة وإمارة، بعد أن هدموا تلك الدولة ودمروا أركانها وحولوا مكتسباتها إلى غنيمة حرب؟

· هل سيقولون أن الثورة قلصت الفوارق الطبقية والفئوية بين أبناء المجتمع وقضت على الفقر والفاقة، بعد أن وسعوا الهوة بينهم وبين الشعب الذي حولوه إلى مجموعة من الفقراء المتضورين جوعاً لرغيف الخبز وعطشاً قطرة الماء النظيفة ؟

· هل سيقولون أن الثورة قضت على الأوبئة والأمراض المزمنة، وعممت التطبيب المجاني بعد أن هدموا هذا المنجز ونهبوا تجهيزات المستشفيات التي تحولت إلى خرائب وحولوا مهنة الطب النبيلة إلى تجارة قبيحة يفقد فيها المرضى مدخراتهم وصحتهم وحيواتهم، في سوق المسالخ ودكاكين العقاقير المهربة والمغشوشة؟

· هل سيقولون أنهم بنوا منظومة التعليم العام والأكاديمي وفتحوا الأقسام الداخلية لأبناء الفقراء بعد أن هدموا التعليم  وكل ممكناته وأغلقوا الأقسام الداخلية وتاجروا بالأغذية المدرسية، وبعد أن صار بعض خريجي الثانوية العامة بحاجة إلى دورات لمحو أميتهم الأبجدية وتعلم أوليات القراءة والكتابة؟

· هل سيقولون أنهم طوروا منظومة القضاء والنيابة العامة وأقاموا العدل وطبقوا القانون بعد أن دمروا المنظومة القضائية ومنظومة الادعاء العام، وأحلوا محلها نحر الثيران وتكديس قطع السلاح الخفيفة والثقيلة كبدائل لنظام التقاضي وفض النزاعات؟

· هل سيقولون أنهم وفروا الأمن والاستقرار وكافحوا الجريمة وهم من تحالف مع الجماعات الإجرامية وقطاع الطرق وقضوا على رجال الأمن وأجهزته، وسوقوا عمليات الاغتيال والتفخيخ والتفجير ورعوها بعناية أكثر من رعايتهم لناخبيهم وداعميهم من المخدوعين البسطاء؟

وهل؟ وهل؟ وهل؟، وهم يعلمون أن كلما ما أنجزته ثورة اكتوبر المجيدة قد سحقوه بسنابك دباباتهم ومجنزراتهم وفتاوي فقهائهم التي أباحت كل شيء بما في ذلك قتل النساء والأطفال والعجزة!

سيظل أكتوبر شعلةً لن تنطفئ وأيقونة نضالٍ خالدةً في ذاكرة الأجيال ومصدر إلهامٍ لكل أبناء الجنوب المتطلعين إلى الحرية والعزة والأمن والعدل والرفاه ودولة المواطنة المتساوية.

فأكتوبر حق والحق يعلو ولا يعلى عليه.