د. ياسين سعيد نعمان يكتب:
هل تتحول الرئاسة الأمريكية إلى مؤسسة حزبية
في الحملات الانتخابية الديمقراطية، بما فيها الرئاسية الامريكية، هناك أحاديث برامجية، وأخرى إعلامية استعراضية.
إذا دققنا في الأحاديث البرامجية للمرشحين سنجد أنها متقاربة، بمختلف انتماءاتهم الحزبية، لا يميزها إلا ما عرف عن الأحزاب من توجهات ثابتة في بعض القضايا الاجتماعية والاقتصادية الداخلية والضرائب وغيرها.
أما الأحاديث الاستعراضية فمساحة الترويج فيها أوسع، وتصاغ بطريقة توحي بأنها ظرفية.. رأينا ذلك في أكثر من موضوع دولي بما في ذلك الموقف من القضايا الملتهبة، والحروب، وبيع الأسلحة، وامتلاك السلاح النووي، والديمقراطية في بلدان الغير، والحريات، وحرية التعبير، وإقامة نظام دولي عادل، والتمييز العنصري الذي يعاد بناؤه، للأسف، بقواعد انتقائية.
لا أتوقع تغييراً جوهرياً في سياسة الولايات المتحدة الخارجية إذا ما فاز المرشح الديمقراطي جو بايدن بالرئاسة، اللهم إلا فيما يخص قضايا المناخ، والبونسكو، والعودة إلى الاتفاقيات الدولية التي يقف الديمقراطيون وراءها والتي ألغاها أو جمدها ترمب، أو المعارك التي تقيم على أنها ذات بعد خاص بترمب كموضوع تصعيد الصراع مع الصين، وموقفه من الاتحاد الأوروبي.
أما فيما يخص الشرق الأوسط فإن الحزب الديمقراطي الأمريكي، على غرار أحزاب "اليسار" في أوروبا، عندما تكون في المعارضة فإنها تدمن خطابا يسارياً كالذي وصفه "لينين" بالخطاب الديماجوجي الذي يحرض ولا ينتج فعلاً على الأرض، لأنه باختصار غير واقعي، وعندما تصل إلى السلطة تتخلى عنه بسبب عدم واقعيته.
ولتأكيد ذلك فقد أسقط "كوربن" الزعيم العمالي البريطاني من قيادة حزب العمال بالضربة القاضية لأنه ذهب بيساريته بعيداً وخارج المسموح به في حزبه.
لذلك لا أتوقع تغيرات هامة على هذا الصعيد. سينفصل خطابه عن خطاب اليسار عند النقطة التي يتعين عليه فيها أن يتخذ قرارات تخدم المصلحة الوطنية الأمريكية من موقعه في السلطة. وبالمقابل فإن القضية اليمنية لن تتأثر بهذا التغيير إلا بمقدار التأثير الذي تحدثه عناصرها الذاتية الداخلية في مسار العملية.
في هذه البلدان يتأسس القرار من الأدنى إلى الأعلى، حيث يبدأ من مراكز البحث المتخصصة thinktanks والتي تقوم بمهمتها على أسس علمية ومن منظور المصلحة الوطنية للبلد، متجاوزة الاختلافات السياسية، وهي التي تمد الهيئات بحيثيات ومعطيات القرار بل ومشروعيته.
يعني أن القاعدة الأساسية لاتخاذ القرار غير حزبية في عمومها، عدا تلك التي تقوم بخدمة سياسات أحزابها.
هذا الوضع يؤسس لاستقرار السياسات في هذه البلدان دون تهور بتغييرات دورية درامية.
ربما كان ترمب استثناءً في حالات معينة بسبب، كما قال بعض المحللين، أنه لم يتوقف بصراعه مع الديمقراطيين عند النقطة التي أصبح فيها رئيساً، بل واصل خصومته معهم لدرجة أن الرئاسة في عهده اكتسبت صفة حزبية لم تعدها من سابق، ناهيك أن حكمه قام على شعار تخطئة ما أسماه السياسات التي أضعفت أمريكا والتي لا يحدها زمن معين، وقد تمتد إلى عهود طويلة سابقة تشمل ديمقراطيين وجمهوريين على السواء.
الأيام القادمة كفيلة بتوضيح كثير من هذه الحقائق، وربما صار الوضع أكثر وضوحاً لو أن ترمب فاز بدورة ثانية، فإما أن تنضج الظروف قراراته ويعيد مؤسسة الرئاسة إلى عهدها القديم كمؤسسة غير حزبية، أو يكرس عصراً جديدا يعيد فيه الرئاسة الأمريكية إلى النموذج الذي تتخبط فيه كثير من البلدان، ومعه يتفاقم الاستقطاب الاجتماعي الذي سيفضي إلى انقسامات كبيرة في المجتمع الأمريكي.