د. عيدروس النقيب يكتب:

الحزب الحزب الاشتراكي اليمني وظاهرة طاهر شمسان

لن أتحدث طويلا عن موضوع “التنكر للهوية الوطنية” التي ألصقها طاهر شمسان بالمجلس الانتقالي الجنوبي الذي أسماه بالـ”كيان المسخ” لأن لدي مشروع كتاب شبه جاهز عن “القضية الجنوبية وإشكالية الهوية” لكنني أطلب منه أن يفسر لي كيف يفهم (الهوية الوطنية)؟ وما معنى (التنكر) لهذه الهوية؟ وهل يعتقد أن اليمن اليوم ولو في شمالها (على الأقل) فيها أصلا (هوية وطنية) واحدة؟
يا صديقي العزيز!
إن المواطن الذي يقع حقل النفط في مديريته، ولا يعرف عنه شيئاً، ولا يستطيع أن يجد عملا لإبنه في هذا المشروع ولا في غيره، ولا يجد محطة كهرباء أو مشروع لمياه الشرب النقية، ممولاً من عائدات هذا الحقل، ثم يتلفت فيرى أن كل العاملين والمستثمرين في الحقل قادمون من مناطق تدعي التفوق العرقي والجهوي والقبلي والسلطوي والعسكري وإنها هي الأصل وما هو إلا جزء من الفرع، وتستنزف كل عائدات هذا الحقل، ولا تترك لهذا المواطن وأمثاله الملايين سوى النفايات المضرة بالبيئة البشرية والنباتية والمائية والحيوية، هذا المواطن يجد نفسه أمام هويتين، هويته هو والملايين من أمثاله وهوية كل الذين يستنزفون خيرات أرضه ويسرقونها أمام عينيه ليراكموا مليارات من عائداتها وهو لا يجد ثمن قرص الدواء ليعالج الأمراض التي أصابته جراء تلويثهم لبيئته ومحيطه الحيوي، وما ينطبق على هذه الحالة ينطبق على ملايين المواطنين اليمنيين في الجنوب والشمال وعلى كل ميادين الحياة ابتداء بالوظيفة الحكومية والخدمات الاجتماعية وانتهاء بالاستثمار في الشواطئ والزراعة والموانئ وبالتوظيف في الضرائب والجمارك وفي إدارة شؤون المجتمع عموماً، وعندما يكون هذا المواطن وأمثاله الملايين قد فقدوا هويتهم الأصلية في لحظة غزو واجتياح وتدمير دولتهم ويراد لهم أن يقبلوا بهوية ناهبيهم ومحتلي أرضهم، فإن مثل هذه “الهوية الوطنية” تتحول إلى ساطور لسلخ جلود هؤلاء واستبدالها بجلود مصطنعة لا علاقة لها بلحمهم ودمهم وأرواحهم وكينونتهم.
واختصاراً : هل تعتقد كطاهر شمسان أن هويتك كمواطن يمني، تتساوى مع هوية واحد من المئات وربما الآلاف من كبار مشائخ ووجهاء ما تسمونه اليمن الأعلى ممن لم يدخل معظمهم قط محكمة ولا مركز شرطة ولم يقف أمام محقق بوليسي قط حتى لو ارتكب جريمة قتل؟؟
دلني يا صديقي على هذه الهوية التي تقول أن “الكيان المسخ يتنكر لها” حتى أناقش معك هذه المقولة الجوفاء التي لا يفهم منها المواطن اليمني إلا تلك البطاقة التي يستخدمها عند اضطراره لاستخراج جواز السفر حينما يفكر بالخروج النهائي من هذه البلاد التي أنهكتها الحروب القبلية والجهوية ونزاعات تجار السياسة وأساطين النهب المتسابقين على الفوز بقدر أكبر من المنهوبات.
يتحدث طاهر شمسان عن “المغامرين القرويين الذين يعتقدون أنه بمقدورهم إعلان وفاة الحزب الاشتراكي” ويخلص إلى القول أن “العقبة الكأداء التي تعيق مخطط إعلان وفاة الحزب الاشتراكي هي قواعده وكوادره في المحافظات الشمالية”.
حسناً لنتوقف أمام أمرين يستحقان النقاش، بعيدا عن الثرثرات الفارغة التي يحشوها أخونا بكلام ممجوج خالٍ من أي مضمون:
أولا أن الحديث عن حزبين اشتراكيين في الجنوب والشمال ليس مؤامرة ولا إعلان وفاة، والحزب الاشتراكي اليمني الذي فشلت مؤامرة 1994م في قتله يمكن أن يموت موتاً بطيئاً طالما بقيت في قيادته عناصر من أمثال هذا “الطاهر” ممن عبأوا رؤوسهم بمفاهيم صنمية، واعتبروها نصوصا مقدسة لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها، ولست بحاجة إلى تبيان أن وحدة الأحزاب تقوم على وحدة الأهداف، والأهداف اليوم وغداً في الجنوب تختلف عن نظائرها في الشمال، وللأسف حتى اللحظة ما زلنا نسمع اشتراكيين يكررون مقولات “الوحدة أو الموت” و”الوحدة المعمدة بالدم”، ولإن لم يقلها طاهر شمسان حرفيا إلا إن كل حديثه يقول بهذا، وحتى عندما يتحدث عن ” اليمنيين التواقين إلى يمن موحد ومستقر” إنما يكرر ما يقوله قادة غزو 1994م من غادر عالمنا ومن لا يزال يواصل نهج الغزو والاجتياح، فقيام حزب اشتراكي في الجنوب وآخر في الشمال إذن لا علاقة له بحياة وموت أحد بل إنه يمثل إعادة الحياة للحزب في النطاقين الجغرافيين، والدولتين القادمتين، وليس إعلان وفاة، ولا شيء من علامات الوسواس القهري التي يعاني منها طاهر شمسان.
ثانيا: ها أنت با صديقي قد أقررت بوجود حزب اشتراكي شمالي يمثل حسب قولك “العقبة الكأداء التي تعيق مخطط إعلان وفاة الحزب الاشتراكي” التي قلت أنها ” هي قواعده وكوادره في المحافظات الشمالية” فالحزب الاشثراكي في تصورك قائم وموجود في الشمال فقط، وهو فقط من يبرهن بقاء الحزب على قيد الحياة، وتلك حقيقة يمكنني أن أشاطرك إياها، لكنك وأنت تؤكد وجود حزب اشتراكي شمالي، وهذا جزءٌ مما ما أطالب به، تستكثر على الاشتراكيين الجنوبيين حقهم في إعلان حزبهم الخاص بهم يتبنى هموم المواطنين الجنوبيين ويدافع عن مصالحهم ويساهم في بناء الدولة الجنوبية الجديدة المنقطعة نهائياً عما أسميته بنفسك بـ”الماضي الشمولي”.
إن الحديث عن “العقبة الكأداء” المتمثلة بـقواعد الحزب “وكوادره في المحافظات الشمالية” إنما يمثل إقرارا (منك وحدك) بأن كل الرفاق الاشتراكيين في الشمال لم يعودوا معنيين بما يفعله وما يتبناه رفاقهم في الجنوب، وأعتقد أن في هذه الأقاويل تجنٍ فادح في حق آلاف المناضلين الحزبيين من أبناء الشمال الذين تصدوا لمشروع الغزو في 1994م ودفع بعضهم أرواحهم وحيواتهم دفاعا عن الجنوب وأرضه وشعبه، وعلى رأسهم الشهيد ناجي محسن الحلقبي عليه رحمة الله، عضو اللجنة المركزية وغيره العشرات من الشهداء والجرحى وآلاف المبعدين من أعمالهم ممن لا يزالون اليوم يتضامنون مع نضالات الشعب الجنوبي من أجل تقرير مصيره المستقل واستعادة دولته الجنوبية الجديدة.
لن أعلق على التناولات الشخصية التي أوردها طاهر شمسان عن شخصي فلست معنيا بالأوهام والغرائز المخابراتية التي تتحدث عن “المؤامرة المكشوفة” و”انكشاف المخطط” أو إنني دعوت “لترك الجنوب للحراك الجنوبي”، أو غير ذلك من التخمينات القائمة على التمني، ثم تطويع هذا التمني لجعله حقيقة في ذهن صاحبه، لأنطاهر شمسان لو كان ذا عقلية بحثية ونقدية جادة لفتش في محاضر اجتماعات الأمانة العامة والمكتب السياسي التي قال أنه اكتشف من خلالها “المؤامرة” و”المخطط” ضد الحزب، وسيجد كل مواقفي مدونة هناك، ولن أعقب على “مناجمات العجائز” مثل “لماذا قلت أن للحزب قواعد في الشمال ولم أقل أن لديه قيادات وكوادر”، لكن ما أثار تعجبي هو ذلك الذعر الشديد الذي بدا عليه صاحبي وهو يفسر قولي عن المقاومة المسلحة للمشروع الحوثي، ويعتبر هذا تحريضاً لـ”أنصار الله على الحزب الاشتراكي” والحقيقة أنني كنت أتصور أن يفاخر أي قيادي اشتراكي بأن الحزب يشارك في المقاومة الشعبية الرافضة للمشروع الانقلابي المدعوم من دولة معادية لليمن شمالا وجنوبا، وهنا لا يسعني إلا أن أعتذر للمقاومين الاشتراكيين الأبطال من أبناء تعز والبيضاء والجوف ومأرب الذين انخرطوا طوعيا مع كل أهلهم من المواطنين ومن الأحزاب الأخرى في مقاومة المشروع السلالي المقيت حينما تخلى عنهم الجيش (الوطني)، والذين ضحوا بأرواحهم وأرواح أبنائهم وإخوانهم في مواجهة هذا المشروع وأدعو طاهر شمسان إلى الاعتذار لهم أو الإعلان أن هؤلاء ليسوا من الاشتراكي ولا علاقة للحزب الاشتراكي بهم، هذا في الشمال أما في الجنوب حيث لم يكن هناك جيشا إلا جيش الانقلابيين فقد انخرط كل الجنوبيين في مقاومة المشروع الانقلابي، وكان الاشتراكيون جزءً منهم وكان أول شهيد في معركة مواجهة الغزاة الانقلابيين هو عضو اللجنة المركزية للحزب الشهيد العقيد محمود حسن زيد وتلاه مئات الشهداء والجرحى من أعضاء الحزب الاشتراكي مثل آلاف الشهداء والجرحى الجنوبيين من المدنيين من مختلف ألوان الطيف السياسي الجنوبي والمستقلين، على أرواحهم الرحمة والمغفرة وتوبة التواب الغفور، كل هؤلاء وأهاليهم ومقربوهم لا يخشون من أن يعتبر هذا الإقرار تحريضا للحوثيين عليهم وعلى أهاليهم ورفاقهم الاشتراكيين وغير الاشتراكيين.
بيد إنني سأتوقف عند عدد من الأطروحات الخطيرة التي أوردها القيادي في الدائرة الإعلامية للحزب الاشتراكي،في سياق حديثه عن مصاعب التوسع التنظيمي للحزب وعدم القدرة على استقطاب أعضاء جدد، إذ يقول “إن العزوف عن استقطاب أعضاء جدد هو قرار غير معلن اتخذه متنفذون داخل الحزب في إطار مخطط متكامل للتعطيل شمل كل الدوائر الفنية للحزب وفي مقدمتها الدائرة التنظيمية” ويضيف أن هذا المخطط “إنما وصل إلى حد القطيعة التامة مع آلاف الاشتراكيين الذين تفرقت بهم السبل بعد حرب 1994″ ويقول أن هؤلاء الآلاف ما يزالون ” يعتبرون أنفسهم اشتراكيين ومستعدون للانتظام الحزبي في أي الحظة ولكن على قاعدة حوار حقيقي وجاد معهم على ضرورات الإصلاح الديمقراطي داخل الحزب والقطيعة النهائية مع الماضي الشمولي”.
واسمحوا لي أن أستأنف مناقشة هذه المقولات في منشور قادم فانتظروني