ماجد كيالي يكتب:

إذا كان ذلك انتصاراً فما هي الهزيمة إذاً؟

مرة جديدة تبيع القيادة الفلسطينية الأوهام للشعب الفلسطيني، بل إنها فوق ذلك تحتفي بـ"انتصار" حققته، لمجرد رسالة بائسة وصلتها من كميل أبوركن، منسق أنشطة الحكومة الإسرائيلية في الأراضي المحتلة، وهو بمثابة ضابط ارتباط وأقل من مستوى وزير.

اللافت أن القيادة الفلسطينية، وهي هنا قيادة المنظمة والسلطة وفتح، وعدا عن ترويجها إلى أن تلك كانت رسالة من الحكومة الإسرائيلية فهي روجت، أيضا، إلى أن إسرائيل أعلنت أنها ملتزمة بالاتفاقات التي وقعتها مع القيادة الفلسطينية، هكذا فجأة، كأن إسرائيل التي أطاحت باتفاق أوسلو منذ 20 عاما، وقضمت الضفة الغربية بالمستوطنات، والجدار الفاصل والطرق الالتفافية، ندمت على ذلك، ودبت فيها صحوة أخلاقية، علماً أن كل القصة تتعلق بموافقتها تسليم السلطة أموال "المقاصة" التي تمنعت السلطة عن استلامها منذ عدة أشهر، وهي أموال مستحقة أصلا للفلسطينيين، وجرى رفض استلامها بقرار من القيادة لا أحد يعرف معطياته وجدواه.

المهم أن رئيس الهيئة العامة للشؤون المدنية وعضو اللجنة المركزية لحركة فتح حسين الشيخ، الذي تسلّم تلك الرسالة، اعتبر ذلك بمثابة "انتصار بامتياز لثبات وصمود وكبرياء رئيس هذا الشعب الرئيس محمود عباس الذي كاد يكون وحيدا في هذه المعركة".

وأشار الشيخ إلى أنه "في الفترة الأخيرة وجهنا إلى الحكومة الإسرائيلية سؤالا واحدا، برسالة رسمية، إذا ما زالت ملتزمة بالاتفاقات الموقعة بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل أم لا؟ وقد وصلتنا رسالة رسمية إسرائيلية تعلن فيها التزامها بالاتفاقات الموقعة بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية" "المصدر جريدة الأيام الفلسطينية عدد 18 - 11 - 2020".

أيضاً، وإضافة إلى ما تقدم، فإن هذا التطور يثير، أو يطرح، مجددا، عدة مسائل، لهل أهمها:

أولا، أن القيادة، بقرارها عودة العلاقة مع إسرائيل إلى سابق عهدها، ضربت عرض الحائط بقرارات دورات المجلس المركزي، منذ دورته المنعقدة في 2015، والمجلس الوطني في دورته الـ23 في 2018، المتعلقة بمراجعة الاعتراف بإسرائيل، والتحلّل من الاتفاقات الموقعة معها، بما في ذلك التنسيق الأمني، في دلالة على المزيد من التخبط والتفرد في القرارات والخيارات، وضمن ذلك المزيد من تهميش ما تبقى من الإطارات الشرعية الفلسطينية.

القيادة تستغل حالة الشعب الفلسطيني الصعبة، بحكم تمزقه وتشتته، لفرض خياراتها عليه دون أن تبالي بشيء، كما أثبتت التجربة.

ثانيا، إن هذا التحول يعني بداهة القطع مع كل ما تم ترويجه عن مساعي المصالحة، واستعادة وحدة النظام السياسي الفلسطيني، كأن ما جرى كان مجرد مسرحية، وتوزيع أدوار، ما يفسر هشاشة الاجتماعات واللقاءات بين قيادات من حركتي فتح وحماس، وكل الفصائل الفلسطينية، التي عقدت، منذ يوليو الماضي، في الداخل أو في بيروت، 3 سبتمبر أو في إسطنبول، أواخر سبتمبر، كما يفسر ذلك عدم الجدية في تشكيل ما سمّي "القيادة الموحدة للمقاومة الشعبية"، التي دعت إلى مظاهرات في 15 سبتمبر، لم يستجب لها أحد، ولا حتى الداعين لها.

ثالثا، إن ما جرى يؤكد مجدداً أن السلطة الفلسطينية مرتهنة للشروط السياسية التي أنشئت عليها منذ البداية، وضمن ذلك يأتي ارتهانها لمصادر التمويل الخارجي، بمعنى أنه تمت هندستها من الأساس على هذا النحو الذي لا تستطيع فيه شيئا من دون الاعتماد على إسرائيل ولا على الرعاية السياسية والمالية من الخارج.

هكذا، فإن القيادة الفلسطينية، وبدلا من أن تصارح شعبها بحقيقة وضعها، وبدلا من البحث عن خيارات أخرى، ضمنها إعادة بناء البيت الفلسطيني، وبناء إجماعات وطنية جديدة، فضلت الذهاب نحو إعادة ترويج الأوهام حول اتفاقات التسوية مع إسرائيل، وحول الرعاية الأمريكية لتلك العملية، ما يستنتج منه بداهة أن همها الأساسي هو الحفاظ على واقعها سلطةً، ولو تحت سلطة الاحتلال.

هذا التطور، وإن لم يكن جديداً، يفترض أن يعزز إدراك الفلسطينيين، في كافة أماكن وجودهم، إلى الآتي، أنهم باتوا إزاء سلطة في الضفة وغزة، وليسوا إزاء حركة تحرر وطني، فهكذا تنظر السلطتان، في الضفة وغزة، كل واحدة منهما إلى ذاتها وإلى الأخرى، وهكذا تتعاملان مع الشعب الفلسطيني.

ثانيا، إنهم أضحوا إزاء كيانات مترهلة ومتكلسة ومفوتة، وإزاء طبقة سياسية فقدت أهليتها الكفاحية، ولم يعد لديها ما تضيفه على هذا الصعيد، ما يعني أن تلك الكيانات، كما تلك الطبقة، لا تستطيع حمل أي مهمات وطنية مهما كان مستواها.

ثالثا، أن تلك القيادة تستغل حالة الشعب الفلسطيني الصعبة، بحكم تمزقه وتشتته، لفرض خياراتها عليه دون أن تبالي بشيء، كما أثبتت التجربة.

نعم إذا كانت تلك القيادة تتجرأ وتقول إن ذلك انتصار فما هي الهزيمة إذن؟ وما الذي يحصل حقا؟