محمد خلفان يكتب:

الخليجيون والحوار الأميركي – الإيراني

تتوالى، حاليا، تأكيدات مسؤولين في دول مجلس التعاون الخليجي للإدارة الأميركية القادمة حول أهمية إشراك دول المنطقة في أي حوار أو تفاوض يخص مستقبل المنطقة مع النظام الإيراني. وتأتي تلك التأكيدات من أكثر من مصدر وتتجلى في أكثر من موقف خليجي.

أي تهميش أو تجاهل لهذه الدول هو بمثابة إصرار من قبل الإدارة الأميركية، خاصة الديمقراطيين، على تكرار ارتكاب الأخطاء التي بنيت في الماضي على الثقة في تعهدات النظام الإيراني.

غالبا ما يتركز الحوار الأميركي مع إيران في ملفات تكون الإدارة الأميركية في مأزق فيها، وتريد الخروج منها بأقل الخسائر. حدث ذلك مع أفغانستان والعراق، من خلال قرار سحب القوات الأميركية بعد الاتفاق النووي سيء السمعة.

وخلال هذه الأيام، المشهد الأبرز للحوار بينهما، إلى جانب الملف النووي وتطوير الصواريخ الباليستية، هو الملف العراقي الذي يحتل مكانة مهمة في الإستراتيجية العربية، والخليجية بشكل خاص. لذا فإن احتمال حدوث أي شيء بين الولايات المتحدة وإيران مسألة واردة سواء بالحوار أو التصعيد.

لكن الثابت في العلاقة الأميركية الإيرانية، منذ 1979، أن إيران تسعى من وراء أي تفاهم إلى التمدد في دول الخليج، واستغلال أي اتفاق يحدث بعيدا عن هذه الدول إلى توسيع نفوذها في الجوار الجغرافي. وكأن إيران تعتبر الحوار الأميركي أو الغربي معها، اعتراف منهما بأنها قوة إقليمية أكثر من أنها عامل استفزاز وتهديد للاستقرار في أهم بقعة إستراتيجية دولية.

ومع أن أغلب المراقبين يستبعدون أن يكرر الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن سياسة الرئيس الأسبق باراك أوباما في المنطقة، وهو احتمال كبير لأسباب عدة، إلا أن سياسة الشد والجذب التي تصل إلى عنق الزجاجة ثم تنفرج، تؤكد أهمية وضع السيناريو الأسوأ في المقدمة منعا للمفاجآت.

الثابت في العلاقة الأميركية الإيرانية، منذ 1979، أن إيران تسعى من وراء أي تفاهم إلى التمدد في دول الخليج، واستغلال أي اتفاق يحدث بعيدا عن هذه الدول إلى توسيع نفوذها في الجوار الجغرافي

التأكيدات الخليجية هذه المرة، والتي بدأت مبكرا، هي نوع من عتب الأصدقاء على استبعاد الرأي الخليجي في المرات السابقة، رغم أن التجارب كانت تثبت دائما صحة هذا الرأي في مواقف إيران، انطلاقا من فهم “الشخصية الإيرانية” القائمة على الاستعلاء، حتى على الولايات المتحدة نفسها.

والمسألة ليست في التعامل على المستوى السياسي فقط؛ العتب قائم أيضا على تهميش الرأي الخليجي، وهذا لا يتماشى بتاتا مع طبيعة العلاقات الإستراتيجية التي تربط الدول الخليجية بالولايات المتحدة.

وبشكل أكثر وضوحا، التأكيدات الخليجية تحمل نبرة “تحذير” من “تغييب” طرف أساسي في معادلة إنجاح أو إفشال أي نقاش لمستقبل المنطقة. وأن إشراكهم في أي تفاهم هو حق سيادي لدولهم التي عادة ما تكون المتضرر من طبيعة العلاقات الأميركية – الإيرانية، سواء بتوقيع اتفاقية مثل تلك المعروفة بالاتفاقية النووية، أو حتى إن أصاب تلك العلاقة اختلاف وتصعيد في اللغة السياسية يؤدي إلى تهديد استقرار المنطقة.

التشاور مع دول مجلس التعاون الخليجي ليس فقط لمصلحة هذه الدول، ولكنه أيضا لمصلحة “الصديق الأميركي”، فهو الآخر لديه مصالح  يحتاج تحقيقها إلى التفاهم مع أبناء المنطقة، الذين باتوا اليوم أرقاما صعبة في معادلة السياسة الإقليمية والدولية، وبشهادة أوباما نفسه، بعد أن تأكدوا من أهمية عدم ترك “البيض كله في سلة واحدة”.

كما أن التشاور يصب في مصلحة “الجار الإيراني” الذي يعاني من أزمات اقتصادية وسياسة داخلية وخارجية وعقوبات دولية حالت دون تحقيق طموحات شعبه، بسبب مغامراته السياسية غير محسوبة العواقب، وأن الإنقاذ لن يكون إلا بالتفاهم مع جواره العربي، الذي يمكنه أن يلعب دورا في إقناع المجتمع الدولي بأهمية عدم التضييق عليه. هذا بالطبع يحتاج إلى سياسة عقلانية والابتعاد عن العناد السياسي وممارسة الفوقية ضد الجوار.

ولكي لا تكرر أخطاء الماضي مستقبلا يجب الالتزام بأمرين اثنين. الأول، إشراك الدول الخليجية في أي حوار أميركي – إيراني قد يحدث مستقبلا، فهي أكثر فهما للشخصية الإيرانية، وعامل أساسي في النجاح أو الفشل. والأمر الثاني، أن تغير القيادة الإيرانية أسلوبها الفوقي وعجرفتها السياسية في التعامل مع جيرانها، لأن الأزمات والخلافات المعقدة تحتاج إلى عقول تتخاطب بالمنطق والفهم المشترك، وليس بتجاهل الآخر.