محمد خلفان يكتب:
ترامب.. غورباتشوف أميركا
يعيش العالم كله، تقريبا، خشية وقلقا من التفاعلات السريعة والسلبية التي أنتجتها سلوكيات الرئيس دونالد ترامب منذ وصوله إلى السلطة؛ فالجميع غير متأكد من القادم على المستوى المحلي الأميركي، كون ما يحدث في الولايات المتحدة له تأثيرات على باقي العالم، وغير متأكد أيضا على المستوى الدولي، نتيجة لقراراته بشأن حلفائه من الأوروبيين وغيرهم. لكن الشيء الوحيد المؤكد أن الجميع يترقب بحذر قرارات ترامب الفجائية وغير الاعتيادية.
علّق صديق على بدع (جمع بدعة) الرئيس ترامب في السياسة الدولية بما كان يبتدعه آخر رئيس للاتحاد السوفييتي ميخائيل غورباتشوف والتي أدت إلى ضلالة سياسية كانت نتيجتها انهيار الكتلة الشرقية وتهديد استقرار العديد من دول العالم. فما يحدثه الرئيس ترامب من البدع السياسية لا يختلف عمّا أحدثه غورباتشوف من خلال اتّباع مصطلحي “بيريسترويكا” و”غلاسنوست”، أي إعادة الهيكلة والشفافية بهدف تحسين مكانة الاتحاد السوفييتي السابق. النية من اتّباع تلك السياسات كانت حسنة، لكنها أدت إلى خراب الاتحاد السوفييتي السابق وما زالت دوله تعاني منه.
ويقول هذا الصديق مثلما أحدث ميخائيل غورباتشوف صدمة عالمية في سياساته كونه سعى من أجل وضع أسس لبناء علاقات دولية جديدة، فإن سياسات الرئيس الأميركي الحالي تُعيد تلك التغيرات من جديد وذلك بعدما أثارت مواقفه الراغبة في استعادة مكانة الولايات المتحدة العديد من التساؤلات، خاصة تلك المتعلقة بالسياسة الخارجية لبلاده وتصريحاته فيما يخص التحالفات الأميركية في العالم مثل حلف الناتو.
هدف غورباتشوف تمثل في تحويل الاتحاد السوفييتي من دولة راكدة في المجال الدولي إلى دولة ديناميكية مزدهرة وقوية، وركز على التغيير دون مراعاة المؤسسات التقليدية في الداخل بل كان يرتجل قراراته فبدلا من إحياء الاتحاد تسبب في انهياره. أما ترامب، حاليا، فهو يرى في المؤسسات التقليدية عبئا على الميزانية الاتحادية للولايات المتحدة، لذلك بدأ بتغيير العديد من السياسات الداخلية والخارجية.
ما يفعله الرئيس ترامب حاليا في الداخل الأميركي وفي الخارج مع الحلفاء التقليديين لا يختلف كثيرا عمّا كان يفعله غورباتشوف قبل أربعة عقود من هز العلاقات الإستراتيجية
سياسات غورباتشوف وضعت قبل أن تتضح نتائجها بمدة من الزمن، فوصوله كان عام 1985، أما الانهيار فحدث في ديسمبر عام 1991، ولكن تأثيرات تلك السياسات مستمرة إلى يومنا الحالي. واحدة من تلك التأثيرات احتمالات نشوب حرب عالمية جديدة وانقسام دول العالم إلى معسكرين. أما سياسات ترامب فبدأت في فترة رئاسته الأولى عام 2016 وظن بعضنا أنها سياسات مؤقتة وغير قابلة للاستمرارية، خصوصا أن أنصاره تعدوا على الكونجرس الأميركي، ولكن بعودته إلى الرئاسة بعد أربع سنوات فقط، بدت كأنها نوع من التبشير أن سياساته ستستمر حتى مع الرؤساء الجدد القادمين بعد انتهاء فترة رئاسته الحالية.
المشترك في نهج غورباتشوف وترامب أن الاثنين تخليا عن الأيديولوجيا السياسية، أو على الأقل لم يهتما كثيرا بها، حتى يكونا أكثر مرونة وتحرّرا في التغيير، مع أن الأساس الذي ينطلق منه الاثنان هو الأيديولوجيا الليبرالية والشيوعية. وربما الاثنان أيضا كانا ينطلقان من الخطاب الشعبوي ويرون أن القادة السابقين لم يقدّروا مصالح الدولة، وبالتالي فالنتيجة كما يبدو أنها ستكون شبيهة بمكاسب وقتية يعتقد فيها أنها نتائج إيجابية، ولكن مع مرور الزمن تبدأ النتائج السلبية في أن تكون هي الأكثر وضوحا. حدث هذا مع الاتحاد السوفييتي لأن القاعدة المعرفية تقول: إذا تشابهت المدخلات فالنتيجة أو المخرجات ستكون واحدة في كل مرة.
يعتقد ترامب كما كان يعتقد غورباتشوف أن العبء الخارجي مثل سياسات ضمان الأمن الجماعي للحلفاء وغيرها من السياسات هو السبب في حالة التراجع الدولي لكل من الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية، وبالتالي ينبغي التخفف منها من خلال تفكيك تلك الشراكات الإستراتيجية ما أدى إلى اتّباع سياسة الانكفاء على الداخل أكثر من القيام بدور الدولة الكبرى، وأعطى مساحة لكل دولة عضو في التحالفات حرية الحركة في البحث عن مصالحها فمكنت تلك السياسة دولا من ترك روسيا أو ما كان يعرف بالاتحاد السوفييتي والالتحاق بعدوها الولايات المتحدة وتسببت سياسات تخفيف العبء الإستراتيجي في إضعافها على مرور الزمن.
ما يفعله الرئيس ترامب حاليا في الداخل الأميركي وفي الخارج مع الحلفاء التقليديين لا يختلف كثيرا عمّا كان يفعله غورباتشوف قبل أربعة عقود من هز العلاقات الإستراتيجية، وقد يدفع بالحلفاء إلى الاستعانة بالمنافس الدولي له وهي الصين حاليا، وربما يؤدي هذا في نهاية المطاف إلى إضعاف الموقف الأميركي في العديد من الملفات محل تنافس كما هو الحال في منطقة جنوب شرق آسيا