محمد خلفان يكتب:

أزمة جديدة في البيت الأبيض: بايدن يتسبب في فوضى سياسية

في الوقت الذي يستعد فيه الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب لتولي مهام منصبه ويقوم بتشكيل أعضاء إدارته، تقوم الإدارة الحالية بقيادة جو بايدن، بعملية «تفخيخ» لعدد من الملفات الخارجية التي ستنتقل إلى الإدارة الجديدة.

وحيث يصعب القيام بهذه العملية في القضايا الداخلية لما سيسببه أي تغيير في مواقف الإدارة تجاهها من حرج بالغ وربما خسائر للديمقراطيين أمام الرأي العام الأمريكي، خاصة أن خسارة كامالا هاريس المتهم الرئيسي فيها سياسات بايدن.

لذا فالسياسة الخارجية هي الساحة التي تشهد تحولات ملحوظة وقرارات مفاجئة من الإدارة الأمريكية الحالية. ومن المعتاد من الإدارات الأمريكية في الفترة القصيرة الفاصلة بين إجراء الانتخابات الرئاسية في الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني وتولي الرئيس الجديد مهامه في العشرين من يناير/كانون الثاني التالي، أن تحاول الإدارة القائمة تحقيق إنجاز في أي من الملفات والقضايا المهمة. وذلك بصفة خاصة إذا كانت الرئاسة ستنتقل خارج حزب الرئيس الحالي أي من رئيس ديمقراطي إلى آخر جمهوري أو العكس.

ولأن ما بقي على عودة ترامب إلى البيت الأبيض لا يزيد على بضعة أسابيع، حيث سيكون ذلك في يناير المقبل من المفهوم أن تحاول إدارة بايدن إحداث اختراق في مباحثات إحياء البرنامج النووي الإيراني، على سبيل المثال. أو أن تبادر الإدارة إلى مباشرة ضغوط قوية على إسرائيل لإنهاء الحرب في غزة ولبنان، أو غير ذلك من الخطوات التي كان يفترض القيام بها في الفترة الماضية. والمعروف أيضاً أن أي إدارة أمريكية في الأشهر الأخيرة من عمرها، تكون «بطة عرجاء» عاجزة عن القيام بخطوات كبيرة أو قفزات في الملفات المهمة والمعقدة.

المفاجأة أن إدارة بايدن، لم تفعل أياً من الأمرين. فلا هي بادرت إلى حل القضية الفلسطينية أو أجبرت إسرائيل على إنهاء الحرب الظالمة، ولا هي امتنعت تماماً عن أي خطوة أو تحرك في النزاعات الدائرة والتطورات المتلاحقة عالمياً. وإنما بادرت إدارة بايدن إلى عمل من شأنه رفع وتيرة بعض النزاعات وتسخينها بحيث تكون مهيأة لمزيد من الاشتعال وربما الانفجار.

ويجسد ذلك إقدام إدارة بايدن على تقديم نوعيات متقدمة من الأسلحة إلى أوكرانيا، تشمل صواريخ حديثة قادرة على الوصول إلى عمق الأراضي الروسية. وبينما على الجبهات المفتوحة في الشرق الأوسط، لم تحاول واشنطن إطفاء النيران المشتعلة أو إنهاء المآسي الإنسانية الحاصلة في غزة ولبنان.

لقد قامت إدارة جو بايدن بعملية تمرير للوقت لا أكثر، فراحت ترسل مبعوثها إلى لبنان عاموس هوكشتاين إلى المنطقة محملاً بخطط غير عملية واقتراحات تعجيزية بالنسبة للبنان خصوصاً. ليستمر هوكشتاين في جولات مكوكية بلا جدوى أو نتائج فعالة ولو مؤقتة، بحيث تسمح بالحد من الدمار الذي بات يلاحق اللبنانيين كما لاحق الفلسطينيين ولا يزال، لعام كامل. أما الفلسطينيون أنفسهم، فلم تعرهم إدارة بايدن أي اهتمام من أي نوع. وهو ما يثير التساؤل والريبة فيما تقوم به واشنطن نحو لبنان من "إدارة" للصراع وليس حلاً له.

واتساقاً مع تصاعد التوتر الإقليمي في الشرق الأوسط خلال الأشهر الماضية، أتاحت إدارة بايدن المجال أمام إسرائيل وإيران للتصعيد وتأزيم الموقف، وامتنعت عن أي محاولة لتحقيق تقدم حقيقي نحو تهدئة طويلة الأجل أو حتى متوسطة المدى. فضلاً عن توقف المفاوضات النووية مع طهران، رغم أن الملف النووي ورقة ضغط قوية وفعالة وقابلة للاستخدام ضد النظام الإيراني. وربما لأن هذا الملف سيستغرق وقتاً طويلاً ولن يشهد إنجازاً أو خطوة مهمة نحو الاتفاق في الفترة القصيرة الباقية من عمر الإدارة الحالية. وبالتالي لا حافز لدى إدارة بايدن لبذل أي جهد، ثم يحصد ترامب ثماره.

وفي مسار موازٍ، ردت إدارة بايدن على إعلان دونالد ترامب نيته إنهاء الحرب في أوكرانيا، بتعزيز الدعم التسليحي الذي تقدمه إلى كييف، بنوعية من الأسلحة أكثر تطوراً وفتكاً. ليأتي رد فعل موسكو، كما هو متوقع، باعتبار ذلك توسيعا للصراع ورفعا لحدة الحرب هناك. والمنتظر في الأسابيع المقبلة، أن تزداد وتيرة المواجهات المسلحة وربما يتسع نطاقها بحيث تصبح مساحات أكبر من أراضي العمق الروسي ضمن قائمة الأهداف الأوكرانية. ما يجعل الموقف الميداني أكثر تعقيداً وصعوبة بالنسبة لترامب كي ينهي الحرب. كما لو كان بايدن وفريقه يريدون تكبيل ترامب في أوكرانيا، حتى لا يتمكن من تنفيذ وعده بخصوصها.

بدلاً من الاهتمام بتحقيق إنجاز يحسب للديمقراطيين، تنهمك إدارة جو بايدن في "تفخيخ" قضايا وموضوعات السياسة الخارجية، لتترك في البيت الأبيض ملفات "ملغومة" تستهلك جهد وموارد إدارة دونالد ترامب المقبلة.