خير الله خير الله يكتب:
"الربيع العربي"… مصر وحدها نجت
بين خمس دول عربيّة غيرها “الربيع العربي”، هي تونس وليبيا واليمن وسوريا ومصر، وحدها مصر لا تزال صامدة، بل تحسّن الوضع فيها بعد إنقاذها من براثن الإخوان المسلمين. كان متوقّعا أن تكون تونس استثناء، لكنّ كلّ الدلائل تشير إلى أن السنة 2021 ستكون سنة مصيرية بالنسبة إلى هذا البلد الذي امتلك تجربة خاصة به وضع أسسها الحبيب بورقيبة الذي حاول مقاومة التخلّف بكل أشكاله وعلى كلّ المستويات معتمدا أساسا على المرأة من جهة وعلى طرح شجاع لأفكار طليعية من جهة أخرى.
سيُعرف في 2021 ما إذا كانت تونس ستكون قادرة على المحافظة على وضعها المتميّز في ظلّ ظروف سياسية واقتصادية وإقليمية في غاية التعقيد… وفي ظلّ الطموحات إلى تولّي السلطة التي لم يعد الإخوان المسلمون قادرين على إخفائها.
أعطت وفاة البائع المتجوّل التونسي محمد البوعزيزي في مثل هذه الأيّام من العام 2010 في بن عروس، بعد إشعال النار في نفسه أمام مقرّ ولاية سيدي بوزيد بسبب قسوة الشرطة، إشارة الانطلاق لـ”الربيع العربي”.
كشف “الربيع العربي”، الذي صار عمره عشر سنوات، هشاشة أنظمة معيّنة. لكنه كشف في الوقت ذاته مدى استعداد الإخوان المسلمين لاستغلال أيّ فرصة للانقضاض على السلطة والاحتفاظ بها إلى ما لا نهاية، على غرار ما حصل في قطاع غزّة الفلسطيني في منتصف العام 2007. لدى الإخوان شبق ليس بعده شبق للسلطة وهو ما أكدته أحداث تونس، حيث لا يزال المجتمع يقاوم التخلّف.
هل تصمد تونس التي استطاعت مرّات عدّة إجراء انتخابات نيابية ورئاسية حرّة منذ إطاحة نظام زين العابدين بن علي؟ سيتوقف الكثير على ما ستشهده السنة 2021 وعلى مدى قدرة المجتمع على الوقوف حاجزا يحول دون سقوط البلد. هناك أحزاب تونسية محترمة تقاوم. لكنّ ما لا بدّ من الاعتراف به هو أن الاتحاد التونسي للشغل لا يزال حصنا منيعا في وجه الإخوان وما يسعون إلى فرضه. كذلك، لا يمكن تجاهل دور المرأة التونسية التي أظهرت، إلى الآن، تمسّكها بحقوقها ودورها. لكن الخوف كلّ الخوف يبقى في الجهد الدؤوب للإخوان المسلمين ومعرفتهم في المجتمع التونسي الذي تخلّف كثيرا في السنوات الماضية بسبب تدهور التعليم ومستواه.
هل عاد “الربيع العربي” الذي انطلق من تونس بالخير على البلد؟ الجواب أن المواطن التونسي العادي كان في وضع أفضل في عهد زين العابدين بن علي الذي لا يمكن للتاريخ إلّا أن ينصفه لسبب في غاية البساطة. يتمثّل هذا السبب في رفضه اللجوء إلى القمع. انسحب من الساحة السياسية من أجل تونس. ربّما أدرك، بعد فوات الأوان، أن أخطاء كثيرة ارتكبت في السنوات الأخيرة من عهده الذي بدأ في تشرين الثاني – نوفمبر 1987، خصوصا بعدما صارت زوجته ليلى طرابلسي وأفراد عائلتها شركاء في السلطة وكلّ ما له علاقة بـ”البزنس” ومتفرعاته.
الأمل ليس مفقودا كلّيا في تونس، كما الحال عليه في ليبيا واليمن البلدين اللذين يجمع بينهما الفراغ السياسي الكامل والتدخلات الخارجية. هناك دور تلعبه إيران في اليمن وهناك دور تلعبه تركيا في ليبيا. ليس صحيحا أن إيران تستفيد فقط من وجود الحوثيين في صنعاء. تستفيد إيران من وجود الحلف غير المعلن بين الحوثيين (أنصار الله) من جهة والإخوان المسلمين من جهة أخرى.
لولا الإخوان المسلمون ورهانهم على “الربيع العربي”، لما كان نظام علي عبدالله صالح انتهى. لولا إصرار هؤلاء على التخلّص من الرئيس السابق واعتقادهم أنّهم قادرون على وراثته لما وصل الحوثيون إلى صنعاء.
لم يكن علي عبدالله صالح ملاكا. على العكس من ذلك، ارتكب الكثير من الأخطاء، خصوصا في السنوات الأخيرة من حكمه. لكنّ الأكيد أنّه أول رئيس لليمن الموحّد وآخر رئيس له. لم يكن اليمن مهيّئا لتغيير كبير، كما كان يتصوّر الإخوان المسلمون الممثلون بحزب الإصلاح. كلّ ما فعله هؤلاء أنّهم مهدوا لتفتيت اليمن على أمل أن يأتي يوم يرثون جزءا منه، فيما يتحوّل الجزء الآخر إلى إمارة حوثية.
بالنسبة إلى سوريا التي طالها “الربيع العربي” ابتداء من آذار – مارس 2011، لم يحدث التغيير المنشود. نجح النظام الأقلّوي الذي ورثه بشّار الأسد في تحويل الثورة الشعبية، وهي ثورة بحث المواطن السوري عن حدّ أدنى من الكرامة، إلى ثورة مسلّحة اختلط فيها الحابل بالنابل. قضى النظام السوري بوقوفه في وجه “الربيع العربي” على سوريا. لا يزال بشّار الأسد في دمشق، لكن الأزمة السورية التي تعني، بين ما تعنيه، انفجارا من الداخل لسوريا، وتحولها إلى بلد تحت خمسة احتلالات، ما زالت في بدايتها. ما زالت المنطقة في انتظار ما ستستقر عليه سوريا وكيف ستكون عليه بعد مضي عشر سنوات على “الربيع العربي”. اعتقد بشّار الأسد أن في الإمكان القضاء على الشعب السوري عن طريق القمع والبراميل المتفجرة وعن طريق الاستعانة بإيران وميليشياتها ثم بروسيا وقاذفاتها. لن يكون رئيس النظام السوري قادرا في يوم من الأيّام على استيعاب أن فرصة السير على خطى زين العابدين بن علي كان يمكن أن تنقذه، كما كان يمكن أن تنقذ سوريا من مصيرها المحتوم… أي التفتيت.
وحدها مصر تعافت من آثار “الربيع العربي” الذي استطاع التخلّص من حسني مبارك. يعود ذلك إلى عوامل عدّة. في مقدّم هذه العوامل الثورة التي قادها الشعب على حكم الإخوان المسلمين في الثلاثين من حزيران – يونيو 2013 من جهة وصلابة المؤسسة العسكرية التي هي العمود الفقري للنظام والدولة العميقة من جهة أخرى.
ما ساعد في خروج مصر سالمة اختيار حسني مبارك الانسحاب من الحياة السياسية في وقت لم تخف المؤسسة العسكرية دفعها إيّاه في هذا الاتجاه عن طريق إفهامه أن لديها حسابات خاصة بها. تفادت مصر العنف، كما استطاعت المؤسسة العسكرية إحباط مناورات الإخوان المسلمين بعد تمكّنهم من إيصال محمد مرسي إلى رئاسة الجمهورية واستخدامه غطاء للقيادات الفاعلة في التنظيم ذي الطموحات التي تتجاوز حدود مصر.
نجت مصر من “الربيع العربي” الذي لا تزال آثاره تتفاعل في أربع دول أخرى. بات يصح التساؤل ليبيا إلى أين؟ تونس إلى أين؟ سوريا إلى أين؟ اليمن إلى أين؟ كلّ ما في الأمر، أنّه إذا وضعنا تونس جانبا، تحوّل هذا “الربيع” إلى كابوس لا نهاية قريبة له، لا أكثر.