منير أديب يكتب:
الفيروسات والتنظيمات.. إعادة بناء أم تحوّر؟
قد تبدو علاقة تشابه بين الفيروسات الوبائية والتنظيمات المتطرفة، ليس فقط على مستوى خطورة كل منهما على الإنسانية، وإنما على مستوى الصفات البنيوية للفيروس والتنظيم معاً، سواء لجهة البناء في مراحل النشأة الأولى أم من خلال التحور في ما بعد، وهنا يصبح كلٌ منهما أكثر خطورة وشراسة على الإنسان.
السلالة الجديده التي ظهرت من فيروس كورونا ما زال العلماء في حيرة منها، وما زالت التكهنات بخصوص أنها أكثر قسوة من النسخة الأولى للفيروس وقاتلة ولا تأثير للعقار الذي توصل إليه العلماء فيها، وهو ما يبدو أكثر شبهاً بالتنظيمات المتطرفة التي خرجت من ثوب المحلية والإقليمية حتى باتت عابرة للحدود والقارات، وهنا بدت خطورة هذه التنظيمات على الإنسانية وبدا التشابه أيضاً أكثر وضوحاً.
ولذلك من المهم التذكير بما كان يقال قديماً إن أي مواجهة محلية للإرهاب لن تؤتي بنتيجه مرضية مع تنظيمات معولمه وتتحوّر كثيراً مثل الفيروسات الوبائية، فكيف تُحارب تنظيماً ما في دولة ما بينما تترك رأسه أو قيادته المركزية في دولة ثانية بلا مواجهة؟ وهنا تُصبح فاعلية المواجهة دون المستوى، وهنا نؤكد ضرورة أن تكون المواجهة عالمية ودولية للتنظيمات المتطرفة، فهي لا تختلف عن الفيروسات المعدية والمميته، فأثرها وامتدادها يتعديان الحدود، وبالتالي من المهم مواجهتها بهذه الصورة.
في شهور قليلة نجح العالم في التوصل لأكثر من عقار لكوفيد -19، وكل دول العالم شاركت في التجارب والأبحاث حتى وصلت جميعاً الى عقارات تحد من الآثار الجانبية للفيروس القاتل وتساعد الجسد في مواجهته، بخاصة أن كل دول العالم استشعرت الخطر ورأت ضرورة أن تُشارك في المواجهة للحفاظ على الإنسانية، وهي ترى في ذلك أنها تُحافظ على أمنها ونفسها، وهنا تبدو المسؤولية المشتركه.
هذه المسؤولية لا بد من أن تُحرك الجميع لمواجهة أي تحديات تواجه بقاء هذه الإنسانية، خطر التنظيمات المتطرفة لا يقل عن خطر الفيروسات الوبائية، فربما يكون خطر التنظيمات أشد وأنكى، فإذا توصل العالم الى أمصال عدة للفيروس القاتل، فإن العالم نفسه لم يتحد أولاً لمواجهة خطر التنظيمات المتطرفة، فضلاً عن عدم توصله لمواجهة تضمن تفكيك هذه التنظيمات حتى يصبح العالم أكثر أماناً وسلاماً كما كان قبل ظهور هذه التنظيمات.
عند لحظة ما يتضاءل خطر الفيروس القاتل كما يتضاءل خطر التنظيمات المتطرفة، وتبقى الخطورة الأكبر في تحوّر كلٌ منهما وهو ما حدث بالفعل، فما عادت الوسائل القديمة المعتاده التي كانت تستخدم في مواجهة الإرهاب قادرة على الردع وتفكيك منظومة هذه الجماعات الآن بعد تحوّرها، وهنا تبدو أهمية المواجهة الجماعية لتنظيمات عابرة للحدود والقارات.
لم تستفد أي دولة من وجود الفيروس القاتل، وإنما كانت الخسائر متزايدة على المستوى الاقتصادي وعلى مستوى الأرواح أيضاً، فضلاً عن ما خلفه الفيروس المخيف في عالم السياسة وما تركه على الغلاف المجتمعي لهذا العالم، وهنا تبدو المقارنة بخصوص التنظيمات المتطرفة مختلفة بعض الشيء، ولعل هذا يجيب عن السؤال التالي: لماذا لم يتكاتف المجتمع الدولي في مواجهة الإرهاب؟
في حقيقة الأمر هناك دول تستفيد من وجود الإرهاب وتستثمره من أجل مصالح سياسية، وهذه التنظيمات قابلة للعب هذا الدور، هذه الدول تعتقد بالخطأ أن هذا الخطر لن يصل إليها، وإنها سوف تجيد استخدام هؤلاء المتطرفين ضد خصومها، وهذه طامة كبرى وعبء يقع على كاهل الدول التي تواجه الإرهاب، فهي مطالبة أولاً بمواجهة الإرهاب وبإقناع غيرها من الدول الأخرى بضرورة مشاركتها هذه المواجهة، فضلاً عن عدم تقديم أي دعم للتنظيمات المتطرفة.
المجتمع الدولي في لحظة ما دعم تنظيم "قاعدة الجهاد" أو من أطلق عليهم وقتها "المجاهدين العرب"، الذين سافروا إلى أفغانستان لمواجهة الروس في العام 1979، هؤلاء كونوا في ما بعد تنظيم "القاعدة"، بعدما أتفق شركاء الحرب وقتها، ممثلين بأسامة بن لادن، الذي تولى قيادة التنظيم في ما بعد، وعبدالله عزام، أحد قيادات "الإخوان"، اذ أشار الأخير على الأول بأن الجهاد باقٍ إلى يوم الدين، وكان ذلك بعد انتهاء الحرب الأفغانية، "ما يتطلب منا تكوين قاعدة بيانات لكل المجاهدين الذين أتوا من كل حدب الى أفغانستان"، وهنا تم تكوين تنظيم "قاعدة الجهاد"، الذي انتشرت فروعه في دول كثيرة وفق المقترح الخاص بالاستفادة بقاعدة بيانات المجاهدين آنذاك.
حالة التحوّر التي حدثت لتنظيم "قاعدة الجهاد" حدثت كذلك لتنظيم ما سمي بـ "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش) بعد أن دشن مملكته الزائلة في الرقة والموصل في 29 حزيران (يونيو) عام 2014، وانتقل بعدها الى كل دول العالم بعد تحوّر التنظيم، والعجيب أن التحوّر تلا مرحلة السقوط في 22 آذار (مارس) من العام 2019، وهنا أصبح التنظيم أكثر خطراً بعدما انتقل خطره من خلافه كان يُسيطر عليها مكانياً إلى خلايا وذئاب منفرده ومتفرده منتشره في دول كثيره، فتارة تضرب أوروبا في القارة العجوز وتارة تأتي الضربة في القارة السمراء الفقيره وتارة ثالثه تُلهب الأرض ناراً في الشرق الأوسط.
خطر التنظيمات المتطرفة لا يقل عن خطر الفيروسات الوبائية، بل يزيد. ولعل السمات الجينية لكل منهما في حال التحور تضعنا أمام أخطار أكبر مما كانت عليه، ولعل العالم ما زال بعيداً من فكرة الاتحاد في مواجهة التنظيمات المتطرفة، ولذلك سوف تظل هذه التنظيمات في خطرها وخطورة تحولها وتحوّرها، وهو دائم ومميت وقاتل مثل الفيروسات سواءٌ بسواء.
ومن هنا، لا بد من وضع رؤى عامه يكون هدفها إفناع العالم بخطر التنظيمات المتطرفة وخطر تحوّرها، وإقناع العالم أيضاً بضرورة المواجهة الشاملة، هذه المهمة قد يكون للحكومات دورٌ فيها، وبخاصة الدول التي تضع على كاهلها فكرة مواجهة الإرهاب مثل دولة الإمارات العربية المتحدة وجمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية وحلفائها، ولكن، هناك دور آخر مناط بالباحثين والمختصين في هذه المساحة، ولعل هذه دعوة لأصدقائي ممن تخصصوا أو خصصوا أنفسهم وكتاباتهم الى أن يشاركوني هذا الهم، وأن يقدموا عطاءهم في هذه المنطقة المهمة حتى نستطيع أن نحصد نتائج إيجابية ونجني ثمرة الحياة التي وهبناها لمواجهة الكراهية وما ينتج منها.
على الباحثين أن يقدموا عطاءهم الفكري وإنتاجهم البحثي وأن يمهدوا الأرض أمام فهم التنظيمات المتطرفة فهماً دقيقاً حتى تكون هناك مواجهة صحيحه وذات أثر عميق، وأن يتم العمل على فكرة محاصرة الإرهاب والتطرف من خلال إقناع العالم بضرورة هذا التكاتف وأهميته، حتى تكون هناك فرصة لتجمع بحثي يستطيع أن يضع رؤى وخططاً ويعمل على تنفيذها فيتم التعامل مع التنظيمات المتطرفة كما تم التعامل مع الفيروسات الوبائية فنستطيع مواجهة تحوّرها كما نجحنا في مواجهة مراحل بنائها.