نظرة على «زواج المُتعة» القطري الإيراني
يُمكن بعد استقراء دقيق للعلاقة القطرية الإيرانية أن نجد مدلولات تقودنا إلى صفقة ما حصلت بين النظام الإيراني وحمد بن خليفة أدت لانقلاب يونيو 1995م الذي أسقط حكم الأمير خليفة آل ثاني، وجاء بابنه حمد أميراً على دولة قطر، الاستقراء يُعيدنا إلى مرحلة ما بعد حرب الخليج الثانية 1991م والتي بدأت بعدها إيران في تغيير إستراتيجيتها التي اعتمدها المرشد الأعلى السابق الخُميني بعد أن اسقط حكم الشاه عام 1979م فلقد حاول الخُميني تصدير الثورة الشيعية إلى العالم العربي، ودخل في تصادم مباشر مع السعودية وصل أقصاه في موسم حج العام 1407م، لتجد إيران نفسها في موضع الانتقاد من العالم الإسلامي نظير تجاوزاتها.
بعد سنوات أخذت إيران في وضع إستراتيجية تهدف إلى التمدد عبر دول الشام والعراق، وجدت في شيعة لبنان نقطة ارتكاز فدعمت (حزب الله) اللبناني، وبدأ التقارب بين قطر وإيران عام 1992م، في تطبيع العلاقات الثنائية بين طهران والدوحة، بدعم من الرئيس الإيراني الأسبق هاشمي رفسنجاني، ما حدا بالأمير القطري خليفة بن حمد آل ثاني إلى إرسال رسالة شكر له لموقفه الداعم لقطر.
في ذلك العام تم وضع خطط لنقل المياه العذبة بالأنابيب من نهر كارون في إيران إلى قطر، ولكن بعد المقاومة المحلية في إيران، تم التراجع عن هذه الخطة، وفي 1999م قام الرئيس الإيراني خاتمي بزيارة إلى الدوحة شهدت توقيع مذكرة تفاهم حول عدد من القضايا السياسية الإقليمية والدولية، وإدانة الدولتين لظاهرة الإرهاب، وضرورة التمييز بين العمليات الإرهابية والمقاومة المشروعة (إشارة لدعم حزب الله وحركة حماس)، وكان أحد الآثار المهمة لتلك الزيارة التنسيق بين الطرفين لدعم حركة حماس الفلسطينية، وهو الأمر الذي صار من أقوى نقاط التقارب بين الدولتين في الفترة اللاحقة.
2000م قام أمير قطر السابق حمد بن خليفة آل ثاني بزيارة إلى طهران، وكانت تلك الزيارة هي الأولى التي يقوم بها حاكم دولة خليجية إلى الجمهورية الإيرانية منذ اندلاع الثورة الإسلامية والإطاحة بحكم الشاه، كان لافتاً الدور القطري المُشجع للتقارب الخليجي مع إيران، ووصل التقارب إلى اعتراض قطر التي كانت عضواً في مجلس الأمن على قرار حظر السلاح النووي وقال مندوبها (إن من حق إيران امتلاك برنامج نووي سلمي).
بلغ التعاون بين الدولتين ذروته في ديسمبر 2007، عندما قامت قطر بتوجيه دعوة رسمية للرئيس الإيراني المنتخب محمود أحمدي نجاد، لحضور مؤتمر قمة الخليج الثامنة والعشرين في الدوحة كضيف شرف، وكان نجاد أول رئيس دولة أجنبية يحضر تلك القمة، ما أثار دهشة بعض الدول الخليجية واستهجانها، وفي 2010م تم توقيع وثيقة التعاون الدفاعي بين البلدين، لتربط قطر للمرة الأولى في 2015م عسكرياً باتفاق تدريب مع الحرس الثوري الإيراني لحماية السواحل القطرية من خطر الإرهاب، وحاولت الدوحة الترويج لطهران لإنشاء «منظومة دفاعية أمنية إقليمية» لكنها فشلت عندما رفضت الرياض وأبوظبي ذلك المشروع العسكري.
تكفلت قطر بدعم وكلاء إيران في المنطقة العربية، فلقد كان للدور القطري الذي لعبته الدوحة في الإفراج عن المخطوفين اللبنانيين الذين احتجزتهم قوات المعارضة السورية عام 2012م في محافظة حلب، وكذلك دورها في صفقة راهبات صيدنايا مقابل معتقلات سوريات من ضمنهم كانت زوجة البغدادي زعيم تنظيم «داعش»، وكذلك دور قطر في صفقة جبهة النصرة الإرهابية مع حزب الله الإرهابي في عرسال اللبنانية عام 2013م، ولعبت الدوحة دورها حتى تمت الصفقة وأفرجت النصرة عن الأسرى من عناصر الجيش اللبناني والحزب الإرهابي.
في اليمن ظهرت قطر بدعمها للحوثيين وشرعنة وجودهم السياسي منذ حربهم مع الجيش اليمني في 2008م عندما رعت اتفاق بين المليشيات الحوثية ونظام المخلوع صالح مما فتح الباب لتمويل الحوثيين بالسلاح والأموال عبر تغطية ذلك التمويل باتفاقيات تنمية صحية وتعليمية مختلفة، وبعد حرب 2009م تم شرعنة الحوثيين كطرف في المعادلة السياسية اليمنية تماماً بعد اتفاق وقف إطلاق النار.
في المقابل كان حزب الله اللبناني أكثر الرابحين من التقارب القطري الإيراني فقد استُقبل أمير قطر في 2006م بترحاب كبير في البلدات التي مر فيها، وامتلأت الشوارع اللبنانية المختلفة بإعلانات تحمل عبارة « شكراً قطر»، كما نظّم له «حزب الله» استقبالاً شعبياً مشهوداً في «بنت جبيل» معقل الحزب، وأعطت زيارة أمير قطر للجنوب اللبناني - في ذلك الوقت- دفعاً كبيراً للدعاية الإعلامية التي يتبناها «حزب الله» وحلفاؤه، والقائمة على أساس أن سوريا وإيران، مضافاً إليهما قطر? باتت تشكل محوراً إقليمياً في مواجهة محور «الاعتدال» العربي، ما من شأنه تغيير وجه الشرق الأوسط.
تعتمد قطر بشكل كبير على أدواتها الإعلامية ومؤسساتها الثقافية كنقاط للتأثير في محيطها العربي والإقليمي، والنظر إلى الطريقة التي غطت بها قناة الجزيرة القطرية الانتخابات الإيرانية الأخيرة مثلاً، يوضح التوجه القطري نحو إظهار إيران كدولة ديمقراطية تتجاوز ديمقراطية الغرب، هذا التقارب الذي يمكن وصفه بـ (زواج المُتعة) لا يُمكن أن يكون عابراً بل إن هناك منّ مرر وسعى بقصد إلى صناعة هذا المسار من العلاقات السياسية والاقتصادية والعسكرية والإعلامية بين الدوحة وطهران، وهذا يؤكد أن قطر لن تتراجع سريعاً عن خطها في دعم وتمويل الإرهاب فهي تنفذ مهامها المطلوبة منها كواجب على القيادة القطرية التي يمثلها (الحمدين) في إطار زواج مُتعة يمتلك فيها المرشد الأعلى الإيراني العصمة.