د. عيدروس النقيب يكتب:
عقد على ثورات “الربيع العربي” 2-4
هل كانت ثورات الربيع العربي عملاً شيطانياً؟
من المؤسف أن الكثير من الأوساط الإعلامية والسياسية بما في ذلك شخصيات يقدم أصحابها أنفسهم كباحثين وأكاديميين ومحللين سياسيين واستراتيجيين، يتناولون أحداث العام 2011م في بلدان ما جرى التعارف عليه بــ”الربيع العربي” من منطلق “نظرية المؤامرة”، فيقول البعض أن هذا العمل التخريبي أشرفت عليه ومولته ورعته وشجعته المخابرات الأمريكية، ويضيف البعض “والإسرائيلية” وكأن هؤلاء يقولون أن الزعمااء الذين ثارت شعوبهم ضدهم كانوا من ألدِّ أعداء أمريكا، وإن أمريكا أرادت إسقاطهم لتأتي ببديل أفضل لها منهم.
الحقيقة إن هذا الكلام يعتمد السطحية والحذلقة اللغوية والثقافة الدعائية والتحريضية التي تفتقر إلى البراهين والأدلة والقرائن الموضوعية، فمصلحة أمريكا وغيرها من الدول الغربية كانت تتأتى من خلال تلك الزعامات التي ثارت ضدها الشعوب نتيجة لفسادها واستفحال الطغيان والاستبداد في تعاملها مع قضايا شعوبها، وبالتالي فإن الدول العظمى لم يكن من مصلحتها إسقاط أولائك الحكام الطيعين سهلي الانقياد والقابلين للخضوع والتطويع من قبل الإدارات الغربية وعلى رأسها الأمريكية، وسنستثني الزعيم القذافي الذي غالباً ما كان يبدو مشاكساً ومعارضاً عنوداً للسياسات الغربية لكنه لم يكن أقل ديكتاتوريةً وطغياناً وفساداً واستعداداً لتوريث الحكم لأولاده من بقية زملائه الزعماء المتساقطين.
والحقيقة أن ثورات “الربيع العربي” قد جاءت على غفلة من كل العالم، ومخابراته، بدءً بالمخابرات المحلية التي ظلت تقدم التقارير للزعماء على طريقة ما يرضي الزعيم وليس ما يكشف له الحقيقة، فكل القائمين على أجهزة الاستخبارات والدعاية والعسس ظلوا يطمئنون الحكام بأن الشعب تحت السيطرة، وأن من يطالبون بتغيير الأوضاع ومحاربة الفساد وتفعيل روح القانون والحياة المؤسسية ورفع مستوى معيشة الشعب ورفض التور يث والتصدي لرهن مستقبل البلاد بالخارج، إن هؤلاء ليسوا سوى حفنة من المعارضين والمتآمرين الحاقدين على الوطن، وقد ركب الغرور هؤلاء، بحيث أعماهم عن رؤية الحقيقة كما هي، والمتمثلة بتعاظم السخط الشعبي واتساع رقعة المعاناة اليومية للناس وعزوف الأغلبية عن الاهتمام بالشأن السياسي بسبب الانشغال بتدبير المعيشة اليومية التي صارت أشبه بالجحيم بسبب فشل السياسات الاقتصادية والاجتماعية لهذه الأنظمة.
وعلينا أن نتذكر أن وزيرة داحلية فرنسا قد قامت بزيارة خاصة إلى تونس أثناء الانتفاضة الشعبية وعرضت على زين العابدين بن علي إمكانية التدخل المسلح لقمع انتفاضة التونسيين، وكان تصريحها هذا سببا في إقالتها بعد هروب بن علي وسقوط منظومة حكمه.
وسأتوقف لاحقا عند الحجة التي تقول: وهل صارت الأمور أفضل بعد أسقاط الأنظمة الدكتاتورية؟ لأن هذه المقولة حق يراد به باطل.
كل هذا لا ينفي إمكانية تسلل أدوات المخابرات العالمية إلى جسد بعض الثورات، وتفكيكها من الداخل وإيصال بعض أنصار تلك المخابرات إلى واجهة الأحداث الثورية هنا أو هناك، لكن هذا له أسباب أخرى لا صلة لها بأسباب وعوامل انطلاق الثورات وفوران وعائها الذي ظل يغلي لعدة سنوات حتى بلغ لحظة الانفجار فانفجر.
وهناك من يقول أن ثورات “الربيع العربي” كانت مؤامرة إخوانية، والحقيقة أن حركة الإخوان المسلمين في كل بلدان “الربيع العربي” كانت آخر قوة سياسية تدخل إلى ميدان الاحتجاجات، بل لقد ظلت قياداتها تقوم بدور المحذر والواعظ للشباب على احترام ولي الأمر، وطاعته ولم تلتحق بالفعاليات الاحتجاجية إلا بعد أن تيقنت من عجز الأنظمة على مواجهة الشعب
ومن تجربة الشباب اليمني، يتذكر الكثير من القادة السياسيين الذين كانوا قد بادروا بـ”مشروع التشاور الوطني” في إطار قوى المعارضة مع بقية ممثلي النخب المجتمعية، عدد المرات التي قام فيها الأستاذ محمد اليدومي وعبد المجيد الزنداني، ومعهم بعض القادة القبليين من المحسوبين على الإصلاح بالوساطة بين أحزاب المعارضة، ورئيس الجمهورية مباشرة، وآخر مرة كان الزنداني قد خطب في المجتمعين من أحزاب المعارضة محذرا من غضب الله على من لا يطيعون ولي الأمر وإن الرئيس صالح مهما يكن له كرامته ومقامه ويجب ان يحترم ، وتصدت له ناشطة حقوقية كانت حاضرة الاجتماع، بالقول: أنتم حريصون على كرامة الرجل ولا تحرصون على كرامة الشعب،، إن قوات الأمن تقتل الشباب في عدن بدم بارد، وتمنع إسعاف الجرحى بل تتركهم ينزفون حتى المو، وإن أطفال اليمن يهربون إلى الخارج للبيع، وبنات اليمن يتعرضن للبيع تحت اسم الزواج السياحي وأنتم لا هم لكم إلا إرضاء رئيس الجمهورية الذي أوصلت سياساته البلاد إلى هذا المستوى من الانهيار الإنساني والإخلاقي والمعنوي.
وبعدها بأيام اتجه الزنداني إلى دوار الجامعة وألقى خطبته الشهيرة العصماء عن براءة اختراع الثورة وبشرى قيام إمبراطورية دولة الخلافة التي ستمتد من الصين إلى فرنسا في العام 192020م.