وخزة قلم..

حتى لا نضع القيود لأنفسنا

لا أتذكر أن خطوة سياسية اتخذتها النخبة الجنوبية بعد حرب 94م استفزت سلطة ما بعد تلك الحرب مثل خطوة التصالح والتسامح الجنوبي التي جرت في جمعية ردفان الخيرية بالمنصورة يوم 13يناير 2006م بمبادرة من قيادات جنوبية في الداخل والخارج, باعتبار التسامح زينة الفضائل الانسانية على الإطلاق,فالنفوس الكبيرة وحدها تعرف كيف تسامح.

فبرغم امتلاك تلك السلطة كل اسباب القوة وكل ادوات السطوة والقمع والتعسف إلا ان فراصها قد ارتعدت بشدة جراء تلك الخطوة الجنوبية التسامحية, التي شكلت لها مفاجأة لم تكن بالحسبان  في وقت كان الجنوب ما زال في حالة من الضياع والتشظي. واستشعرت تلك السلطة أن ثمة صحوة جنوبية قد دنتْ, لمعرفتها أي سلطة ما بعد 94م أنه بمثل ما مثّـــلتْ لها وسيلة اثارة الفتن وإذكاء صراعات الماضي بين الجنوبيين وسيلة ناجعة وسهلة لإبقاء الجنوبيين في حالة ضعف وتشتت ليتسنى لها وأركان حكمها إوساع الجنوب نهبا وظلما, فهي في الوقت ذاته تعرف بأن رأب الصدع الجنوبي وتضميد جراحه من خلال الشروع بثقافة التصالح والتسامح وتكريسها كثقافة متأصلة  سيعني بالضرورة لتلك السلطة أن الجنوب لن يستعيد حقوقه المسلوب وحسب بل سيتمكن من الإمساك بزمام المبادرة ويغيّــر من طرفي المعادلة, وهذا بالفعل ما حدث بعد ذلك بسنوات قليلة.

 اليوم للأسف  الجنوبيون وبرغم معرفتهم أن سلاح التصالح الجنوبي هو أمضى اسلحتهم  وأقوى مكامن قوتهم على الإطلاق نرى فيهم من يحاول أن يتخلى عن هذا السلاح إما بجهالة  تشده فيها نزعة جهوية قميئة أو لمصلحة شخصية أو لحسابات سياسية.

  صحيح ان اخطر وسيلة تنتهجها القوى السياسية وبالذات قوى الاسلام السياسية  المنطقة العربية هي وسيلة استخدام الدين للوصول للحكم, وأشد وطأة بهذه المسألة هي استخدام وسيلة الطائفية كرداء تتقمصه هذه القوى للظفر بالسلطة, إلا أن استخدام وسيلة الجغرافيا أيضا كانت وما زالت لها آثار وخيمة في كثير من بلدان المنطقة ومنها الجنوب اليمني هذا.  

      فمثلما كان الجنوب ضحية صراعات سياسية تتدثر تارة بالجهوية وتارة بالسياسية , وجنى الجنوب غب ما زرعته قواه السياسية  بالسنين الخوالي,فاليوم ثمة من يريد ان يعد التجارب ويستنسخها من جديد ليعد الجنوب من خلالها الى بيت الطاعة الوحدوي صاغرا ذليلا.

   فإن كانت القوى الشمالية بكل تفرعاتها السياسية والفكرية هي من يحرك خيوط المؤامرات من خلف الكواليس إلا انه للأسف تتنفذ بأيادي جنوبية صرفة, تجلد نفسها بنفسها, بصورة تبعث على الحسرة, ولسان حالها ينشد:

      (وأحيانا على بكرٍ أخينا× إذا ما لم نجد إلا أخانا )

ومع ذلك تظل صخرة الوعي الجنوبي بصلابتها هي التي تتحطم عليها كل أمواج المؤامرات والوقيعة. وسيظل بالقابل الإحساس والانتماء الجنوبي الصادق الكامن في  حنايا قلب كل جنوبي دون استثناء هو الضمير الذي سيوخز صدر كل من يجنح بعيدا عن المصلحة العليا للجنوب أو يحيد عن الدرب الجنوبي التحرري.

 قفلة: الشجرة لا تحجب ظلها حتى عن الحطاب.