محمد خلفان يكتب:
في ضرورة الضغط على إيران سياسياً
الأغلبية، إن لم يكن كل الناس، يدركون أن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب لا يشبه الرئيس جو بايدن ولا الرئيس الديموقراطي الأسبق باراك أوباما الذي كان السبب الأساسي لكل هذه الفوضى التي نشهدها في المنطقة.
فترة ترامب كانت مختلفة بشكل كامل عن كل الرؤساء الأميركيين بمن فيهم صقور الجمهوريين وعلى رأسهم الرئيس جورج بوش الإبن الذي دمر العراق بعد أن غزاه وفكك نظام الدولة فيه تحت ذريعة التخلص من نظام البعث وإعادة صياغة دستور جديد.
وأكثر نظام سياسي في العالم يدرك مدى اختلاف إدارة ترامب عن غيره هو نظام الملالي في إيران، لأنه عانى كثيراً من سياسته سواء بسبب إستراتيجية “الضغط الأقصى” للعقوبات، أو بخسارته أهمّ قادته الميدانيين الجنرال قاسم سليماني بعملية اغتيال في يناير من العام 2020 بعدما تجرأت الميليشيات العراقية الموالية لإيران على استهداف القوات الأميركية في العراق، ومن يومها هدأت الهجمات الإيرانية واستفزازاتها على القوات الأميركية وإن كانت استمرت في التحرش بدول المنطقة.
ولكن خلال هذه الأيام وخاصة منذ أسبوع تقريباً نرى عودة الاستهداف الإيراني للقوات الأميركية في العراق وكأن نظام الملالي يستضعف إدارة بايدن أو أنه يحاول استكشاف ردة فعل إدارته ومداه. وعلى الرغم من أن إيران أنكرت أي علاقة لها بما حدث في أربيل عاصمة إقليم كردستان، إلا أن الجميع يعلم أن الميليشيات العراقية الموالية لإيران لا تتجرأ على إطلاق رصاصة واحدة دون تعليمات إيرانية، ما يشير إلى أن الهجمات تقف وراءها إيران حتى وإن أنكرت ذلك.
في العرف الدبلوماسي الدولي تنتظر كل دول العالم الأيام المئة الأولى لأي حكومة جديدة لمعرفة توجهاتها في السياسة الخارجية، وعادة يجري هذا العرف بشكل أدق وأكثر وضوحاً في الدول التي تأخذ بنظام الانتخابات وتداول السلطة، كون الأشهر الثلاثة الأولى هي من أجل الاستلام والتسليم بين الإدارة السابقة والإدارة الجديدة، إلا أن النظام الإيراني يبدو أنه يطبق نظرية “خالف تعرف” في كل شيء، فهو كما نرى يتبع تكتيكا مختلفا مع بايدن ويحاول أن يفرض ملفاته المتأزمة عليه سواءً تلك المتعلقة بالعقوبات الاقتصادية أو المتعلقة بتراجع الدور الإقليمي له بعد أن تم تضييق الخناق عليه في اليمن والعراق (نسبياً) ولبنان.
الفرق بين ترامب وبايدن أن الأوّل لا يجد أي حرج في التراجع عن موقف اتخذه، خاصة إذا اعتقد أن إيران فهمت الرسالة خطأ؛ فهو مثلما أعلن الانسحاب من العراق بعد اغتيال سليماني، إلا أن سياسة العقوبات لقنت الملالي درساً بأنه من الصعب فهم ردة فعل ترامب تجاه سلوك معين، لذلك كان الإيرانيون يحاولون عدم استفزازه أو اختباره، على عكس ما يحدث الآن مع بايدن، مع أن الخبرة السياسية لبايدن تكفي ليدرك أن النظام الإيراني لا يستوعب إلا لغة القوة، فهو قد عاصر إيران من اليوم الأول لنجاح الثورة الإيرانية وحتى هذا اليوم.
الصورة العامة لإدارتي أوباما وبايدن أنهما لا تسعيان إلى التحدي ومواجهة إيران لأسباب مختلفة، ليست كلها أسباب سياسية. هناك علاقات شخصية لأعضاء الإدارتين مع مسؤولي النظام الإيراني. ولكن دائماً ما يخطئ الإيرانيون في بناء تصوراتهم السياسية عن الآخر، وليس الولايات المتحدة فقط. لذلك الاعتقاد أن إدارة بايدن يشوبها الضعف، وبالتالي يمكن تمرير ملفات معينة، افتراض غير صحيح. هناك عوامل ليست في يد بايدن وإدارته فقط منها على سبيل المثال مواقف دول مهمة في المنطقة لا تقبل الفوضى الإيرانية، كما دول مجلس التعاون الخليجي وإسرائيل وحتى تركيا الخصم التقليدي لإيران.
“تسكين إيران” أي وضع النظام السياسي فيها تحت ضغط دائم كما فعل ترامب من خلال سياسة الضغط القصوى وعدم ترك مجال للتحرك هي أولى الخطوات التي يجب أن ينتهجها العالم لعلاج الملفات المفتوحة في المنطقة.