حميد طولست يكتب لـ(اليوم الثامن):
الكمامة Le baillon وخطورتها على البيئة
قبل الخوض في موضوع الكمامات التي انتشرت بكثافة مع جائحة كورونا التي أصابت العالم بالذعر والشلل ، وبات استخدامها معتادًا لدرجة أصبحت من الحاجات الإنسانية الأكثر إلحاحاً ، وغدت من الأساسيات الضرورية التي لا غنى عنها لمواجهة الفيروس الفتاك ، الذي ألزم البشرية جمعاء على ارتدائها في الأماكن العامة ، وجعل منها نجمة تجارية أولى ملازمة للإنسان في بيته وعمله ، ورفيقة له في سفره وتسكعه في الشوارع ، دون توقع لمدى بقائها جاثمة على أفواه وأنوف الناس ؛ وقبل الإبحار في تاريخيتها الطويل ، وسبر حضورها القوي في الموروث الشعبي للكثير من المجتمعات ، كان لابد من التعريف لغويا بلفظة "كماكة" المشتقة من فعل كمم يكمم الذي ياتي الاسم منه كمامة وجمعها كمامات وكمائم ، والتي لم تكن تستعمل في القديم إلا للحيوان والنباتات ، ويراد بها كل ما يشد فم وأنف الحيوان حتى لا يعض ولا يأكل ما يمنع عليه أكله ، أو لئلا يؤذيه الذباب ، وبالنسبة للباتات فتدل على كل ما يغطي ثمارها لترطيب وتنضيجه ، كما هو حال ثمر النخل الذي يكمم بأغطية ليصبح بلحا ناضجًا.
أما الذي استعمله الإنسان منها لاتقاء حرارة وبرودة وغبار الصحراء ، فيطلق عليه "اللثام" كما هو الحال لدى قبائل صنهاجة الامازيغية والطوارق الذين ارتبط بتاريخهم وقيمهم، قبل أن يصبح عند المرابطية رمزا سياسيا ، ويتحول مع الموحدين إلى موضوع هجاء سياسي ينعت به الخصوم ،أما ما اتخذه عمال المناجم والجنود والإطفائيين لوقاية أنفسهم من الغازات والأبخرة السّامّة ، قد سمي بالقناع ، كما سمي قريبه الذي يضعه تقنيو وعمال المختبرات والأطباء والممرضين للوقاية من الفيروسات والميكروبات والجراثيم المنتقلة عن طريق الرذاذ والاختلاط بالمرضى ، بالكمامة الطبية أو كمامة الجراحين ، والتي لا تختلف عن تلك التي سبق أن استعملت قبل سنوات مع انتشار وباء "سارس" وأنفلونزا الخنازير والطيور ، والتي أدمن على استخدام مثلها سكان شرق آسيا بشكل عام على طول السنة وخاصةً في دول مثل الصين واليابان وتايوان وكوريا الجنوبية لتقليل خطر الإصابة بالأمراض التنفسية أو الأمراض المتنقلة عبر الهواء ، والتي أصبحت في بعض تلك الدول شكلا من أشكال الأزياء ، خاصةً لدى مجموعات الثقافة شرق الآسيوية المعاصرة ذات الشعبية الواسعة مثل ثقافة موسيقى البوب اليابانية.
ورغم الفوائد الصحية الجمّة التي وفرتها الكمامات لمستعمليها، فقد ترتب عن استخدمها بكثرة غير مسبوق مند بداية الجائحة المروعة-التي لا يعرف أحد لها نهاية أو حلاً –مشكل بيئي خطير ، تسبب فيه تراكم أعداد خيالية منها ، بلغت عشرات المليارات ، حسب صحيفة "علوم وتكنولوجيا البيئة" العلمية الأمريكية التي قدرت استهلاك العالم منها بـ194 مليار كمامة وقفاز شهريا ، الأمر الذي أصاب العالم بالذعر وصعد مخاوف البيئيين من تأثيرها البالغ في تلويث البيئة ، لكون معظمها مصنوع من مواد بلاستيكية -البولي بروبلين والبولي لإيثيلين والفينيل- الذي قد يستغرق تحللها 450 عاما ، وفق مؤسسة "وايست فري أوشنز" التي تجمع القمامة البحرية وتعيد تدويرها من خلال التعاون من الصيادين.
وللحد من تلويث الكمامات للبيئية ، توصل علماء أستراليون إلى طريقة لإعادة تدويرها وتحويلها إلى مشاريع بُنى تحتية مدنية تستغل الملايين مما يرمى منها يومياً ، وذلك في إنشاء الطرق ، التي يدخل في بناء كل كيلومتر واحد منها 3 ملايين كمامة ، ويوفر 93 طناً من النفايات ، حسب دراسة أنجزها المعهد الملكي للتكنولوجيا في أستراليا.