رأي عربي..
قرقاش.. الرجل الذي هزم مليارات قطر بابتسامته
بابتسامة ساخرة يستطيع قرقاش إطفاء مشروع حرائق من الاستهداف، ابتسامة لا تخبو ولا تموت ولا تضل، والاستفزاز الذي يبذله خصومه، ينتهي منه بطاقة إيجابية كتب صحافي أمريكي، في إحدى مقالاته عن شؤون المنطقة، تقريراً موسعاً عن الأزمات وإداراتها، ومن بين النقاط التي ميّز بها الإمارات، هي سرعة التعاطي عبر أحدث الوسائل وأكثرها تأثيراً، مثل منصات التواصل الاجتماعي. وبعد رئيس الوزراء ووزير الخارجية، ذكر المقال معالي الدكتور أنور قرقاش، بوصفه الوزير الذي لا يهدأ، حتى أنك تخاله "وزيراً رقمياً" و"آلة إعلامية" بينما يخبرك كل مسؤول في المنطقة، أنه مؤسسة ديبلوماسية، قلّ نظيرها في المنطقة.
حينما تعرّفنا على تويتر، وإلى الآن، لا زلنا نشعر بإحساس دائم بأنّ الحروف التي لا تتجاوز 140 حرفاً، لا يمكنها أن توصل فكرة متكاملة، الأمر الذي يضطرنا إلى تقطيعها أو اختزال الفكرة لتكون تعليقًا مثلاً. ولكنك حينما تطالع تغريدات السيد الأنور الوزير قرقاش؛ تصاب بالدهشة من مقدرته على تكثيف العبارات والإحاطة بالمعاني، وفوق ذلك إرسال الرسائل الواضحة والمبطنة بكل اقتدار، على تطويع النص!
اللغة الديبلوماسية التي خلقت بجلد ناعم، وتقطيعات موزونة، ربما ساعدت الوزير في أن يكون بارعاً في إجادة التعبير عن آرائه باختصار لا يخل بموضوعها، ولكن من عيوب اللغة الديبلوماسية، أنها تجعلك تقول الكثير من العبارات المراوغة حتى لا تثبت على حقيقة، وهو ما لا يفعله قرقاش أبداً، فهو في وضوحه، كنور الشمس في المباشرة، وصاحب الدقة المتناهية في تحديد القناعات، ولفت الأنظار للأخطار بعناية ودقة.
بابتسامة ساخرة يستطيع قرقاش إطفاء مشروع حرائق من الاستهداف، ابتسامة لا تخبو ولا تموت ولا تضل، والاستفزاز الذي يبذله خصومه، ينتهي منه بطاقة إيجابية تجعله رمزاً لا يمكن تجاوزه على الإطلاق. حدث هذا مرتين خلال الأسبوع الماضي، ولكل مرة كانت لها دلالاتها التي تستحق الوقوف عليها، وقد انتشرتا في الوسائط الجديدة والمنصات الإعلامية التي يتقن السيد قرقاش لغتها، ونذكرهما هنا لنتعلم كيف يمكن للحكمة والخبرة والدربة أن تنقذك وتجعلك في قيادة المواقف دائماً، مهما كان الخطر محدقاً، والاستهداف أكيداً.
المشهد الأول للوزير الواثق وهو في بريطانيا، إذ حاوطته مجموعة من البلطجية هتفت ضده وهو يدخل إلى إحدى المؤسسات العريقة. وأثناء دخوله توقف قليلاً حينما صرخ أحد الثلاثة المستأجرين قائلاً "قرقاش قاتل" و"أوقفوا قتل أطفال اليمن" فابتسم الوزير وحينما ابتسم انفرط عقد البلطجية وصاح الثالث الممول قائلاً "لماذا تهاجمون قطر"، هذا الأسلوب المبتسم عكس الآية وكشف المخطط كله بدون أن ينطق بكلمة. فتبيّن أن الذي يصف جهود تحالف دعم الشرعية في اليمن على أنها "إجرام وقتل"، هو عينه الذي يدّعي أن قطر محاصرة ويتعاطف معها.
المشهد الثاني كان في اللحظة التي وقف فيها مذيع قناة الجزيرة الأريتري عثمان آي فرح، وعلى غير عادة الإعلاميين بدأ حديثه بمطوّلة عن قناة الجزيرة، قائلاً "أنا أعرف أنكم لا تحبونا" فقال الوزير قرقاش بسخرية وعمق "أنا أفضل أن أقول إنني لا أشاهدكم"، هذا الكلام جعل كل الموجودين في مركز التفكير العريق يضجون بالضحك، فمضى المذيع مرتبكاً يتحدث عن وضع الجزيرة في قائمة المطالب، وسأل سؤالاً يرتبط بقطر ومقالة مدفوعة الأجر، كتبت فقط ليستخدمها مذيع الجزيرة في سؤاله آنذاك!
لقد استطاع الأكاديمي والديبلوماسي الفذ، أن يجعل لنفسه مكانة خاصة في عالم الديبلوماسية، تجعله أحد الأسماء البارزة في صناعة الأفكار في المنطقة، وصياغة الرؤى، والتعبير عن فكر قيادة الدولة، وتنفيذ توجهات الخارجية التي تواصل الإبداع في عهد سيد الديبلوماسية المعاصر سيدي سمو الشيخ عبدالله بن زايد، الذي كان له اليد الطولى في أن يكون قرقاش بهذه الجرأة والمهارة والتفكير، الذي حوّل أساطين الإخوان وقطر وغيرهم إلى أقزام لا بلا أثر.