د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):
هل نحن من يصنع الطغاة ؟؟!!
سئل أرسطو في عصره: من يصنع الطغاة؟ فأجاب على الفور: "ضعف المظلومين".
وخير مثال على ذلك في التاريخ الحديث هو ما حدث في فرنسا (مايو 1958) أواخر سنوات الثورة الجزائرية، حين أعلن الرئيس الفرنسي حينذاك "شارل ديغول" عن قراره بالانسحاب من الجزائر. ذاك القرار التاريخي لم يحصل على موافقة بعض جنرالات الجيش الفرنسي الذين هددوا باحتلال باريس بهدف إسقاط "ديغول" واستبداله برئيس آخر يضمن استمرار الوجود الفرنسي في الجزائر!!
كان ذلك التهديد يعني أن رياح الديكتاتورية العسكرية تهب على فرنسا الديمقراطية من جديد، ولكن سرعان ما التقط الشعب الفرنسي هذه الفكرة الخطيرة فنزل سكان باريس فورا – بأعداد هائلة - إلى الشوارع وغطوا بملايينهم ساحاتها وأزقتها وشوارعها تعبيرا عن استعدادهم لمواجهة أي محاولة حمقاء يمكن أن يقوم بها جنرالات الجيش لتقويض الديمقراطية في فرنسا!!
قضت هذه الملايين يومين على هذا المستوى العالي من الاستنفار الشعبي الهائل، وسرعان ما تداعت عزائم الجنرالات المتمردين وانهارت حماستهم حين وصلتهم أخبار الشعب في باريس وعزمهم على مواجهتهم بكل الوسائل المتاحة، فصمتوا وأذعنوا لقرار الشعب وخاب أملهم في تقويض أم الديمقراطيات. تصوروا لو استكان سكان باريس لتهديدات العسكر، ربما تغير وجه العالم وعاد الطغاة إلى حكم أوروبا كما كانت قبل الثورة الفرنسية عام 1789م.
والسؤال هو : هل نحن من يصنع أمثال هؤلاء الطغاة في عالمنا العربي؟ الجواب: نعم نحن من يصنع الطغاة، ولا يحق لنا أن نشتكي منهم. فالشكوى يجب أن تكون منا وعلينا، ولن نستطيع التحرر من هؤلاء الطغاة إلا إذا تمكنا من أن نتمرد على أنفسنا وعلى البالي من فكرنا وثقافتنا وعاداتنا وتقاليدنا، وعلى الخوف والأوهام الساكنة في عقولنا التي تعمق قناعاتنا حول قدسية الحاكم.ومتى ما تغيرنا حقا فلا سبيل عندئذ لأي طاغية أن يعيش بيننا. من الأقوال الجميلة في صنع الطواغيت والأغلال: هكذا تصنعون طواغيتكم. "عزت بيجوفيتش". قالها للمصلين الذين أفسحوا له الطريق إلى أن وصل إلى الصف الأول في المسجد، وذلك بعد أن وصل متأخرا !!
والسؤال الآخر الذي يظل دون إجابة هو :إلى متى ونحن العرب على هذا الحال ؟!
فالحاضر بالنسبة لنا أصبح مقرونا بشعور رهيب من العجز عن التأثير على مجريات الأمور والاستسلام لإرادة الغير . أما المستقبل فهو كـَمٌ مجهول ومحفوف بالمخاطر يتم التعامل معه بـِقـَدرِية عجيبة .
إذ لا يكاد العرب يغلقون دائرة صراع عربية – عربية إلا ويسارعون إلى فتح أخرى وكأن قدر هذه الأمة أن تكون في حالة صراع مستمر مع نفسها !!
وهناك دائرتين رئيسيتين للصراع الجاري حالياً في المنطقة ، والتي ستحدد مستقبل العرب بل ومستقبل الإقليم . الدائرة الأولى هي صراع العرب مع أنفسهم والثانية هي صراع العرب مع الآخرين . وللأسف فإن العرب أثبتوا مراراً أنهم جبابرة ودمويون في صراعهم مع أنفسهم وأنهم ضعفاء مستسلمون قـَدَريـِون في صراعهم مع الآخرين .ومن هنا ظهر إلى العلن الولاء الطائفي أو المذهبي أو الإقليمي . فإحساس الناس بالظلم أ صبح واحداً ، وغضب الناس من الفساد ونتائجه واحداً أيضاً . وهذا الشعور يساهم في وحدة المطالب الشعبية مما يجعل منها مطالب وطنية ويُحَوﱢل البشر بالتالي من مجموعات طائفية أو مذهبية أو عرقية إلى مواطنين
يكون ولاؤها للوطن وحده !!
إن هذه النقلة النوعية قد تشكل إنعطافاً في مسيرة الأحداث تعطي بحد ذاتها بارقة أمل للمستقبل العربي . فما زرعه الشيطان قد يقتلعه الشعب قبل أن تنضج ثماره السامة . ومحاولات العبث بالبنية الأساسية للمجتمعات العربية المختلفة وتحويلها إلى رزم من التجمعات الطائفية والمذهبية والعرقية يحدد معالمها انتماء فضفاض مجهول لمذهب ما أو عرق ما لا يهدف في حقيقته إلى تصويب وضع شاذ بل إلى تشويه وضع طبيعي قائم .
يبدو أن استفحال الفساد المرافق عادة للأنظمة الدكتاتورية القمعية إلى الحد الذي جعل من الخدمات الأساسية ضحية أولى لتغول الفساد قد ساهم في تجسير الهوة الطائفية أو المذهبية أو العرقية لصالح وحدة المعاناة والتي ترجمت نفسها في تحويل ما تمخض عن الفساد من مآسي في الخدمات العامة إلى مطالب وطنية أعادت تحويل البشر المبعثرين بين المذاهب والمِلـَلْ إلى مواطنين يشكون من نفس المظالم بغض النظر عن أصولهم العرقية أو إنتماآتهم المذهبية .
وهذا تحديداً ما يجري الآن في كل من العراق ولبنان واليمن والذي جعل شعوبها ترفع مرة أخرى شعارات جامعة تستند إلى معاناة الوطن والمواطنين أولاً .
إن إعادة اللـُحمة الوطنية تحت وطأة المعاناة الشاملة الناتجة عن الفساد هي عملية نقيضه للمطرقة التي عملت لسنوات على تكسير اللـُحمة الوطنية وإذاَبـِتها في مستنقع المذهبية والطائفية والتعصب والتطرف . وهذا قد يـُثبت أن عوامل اللـُحمة داخل المجتمعات المقهورة ما تزال فاعلة ، وربما قادرة على إعادة بعث الأمة وإصلاح ما دمرته الأحداث ومن يقف وراءها من قوى أجنبية وإقليمية التي تسعى جاهدة إلى تفكيك دول المنطقة يساعدها في ذلك أدواتها المحلية مثل الحوثيين في اليمن وحزب الله في لبنان والحشد الشعبي في العراق التي مكنت إيران من الهيمنة على شعوبها وجعلها رهينة لها في حين ترفضها شعوب المنطقة العربية .
د.علوي عمر بن فريد