د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):
حديث الذكريات (16).. طرائف وذكريات في مدرسة زنجبار !!
كانت المدرسة حافلة بالنشاط المدرسي في شتى المجالات ومن ذلك : مجلات الحائط المدرسية مثل : الطليعة ، الفجر، والنهضة ، ورشُحت مديرا لتحرير "الفجر " ومعي 4 طلاب آخرين وكنا نتولى إصدارها أسبوعيا ..وبدأت ميولي تظهر في المواد الأدبية في السنة الثانية متوسط ،كما رشٌحت في الجمعية الأدبية التي تعقد جلساتها مساء كل أربعاء ويحضرها الطلبة والمدرسون وغالبا كان يشرف عليها الأستاذ الحاج من السودان ويتألف أعضاء الجمعية من :
الرئيس ونائبه والسكرتير وعضو واحد وكلهم من الطلبة وتعقد الجمعية جلساتها مساء كل أربعاء في الساعة السابعة مساء ويقدم أحد الطلبة محاضرة في أي جانب أدبي أو علمي لمدة ربع ساعة ثم يناقش من قبل الطلبة ويتم التعقيب من بعض الأساتذة ويتولى السكرتير تدوين محضر الجلسة والنقاش كما تُقدم فيها بعض المشاهد المسرحية المختصرة والمشاهد الفكاهية .
وكانت هيئة التدريس تتكون من : مدير المدرسة الأستاذ شيخ أحمد والأستاذ حسين كردفاني والأستاذ الحاج والأستاذ صلاح مصطفى وهم من السودان ومن حضرموت الأستاذ باراشد ومن شقرة الأستاذ أحمد سالم سعد وغيرهم .
خلايا التنظيم السري :
بدأت في تلك الأيام تتشكل ملامح التنظيم السري لحركة القوميين العرب من بعض الطلبة في مدرسة زنجبار الوسطى وكانوا يعقدون اجتماعات سريه مع سالم ربيع الذي كان يعمل في مالية زنجبار ومنهم جاعم صالح والخضر صالح والنخعي وغيرهم وكانوا يقرؤون مجلة الطليعة الكويتية والحوادث وكتابها من القوميين العرب مثل : هاني الهندي ومحسن إبراهيم ونايف حواتمه وجورج حبش وشفيق الحوت وسليم اللوزي وأحمد الخطيب وغيرهم من الذين كانوا يتبنون أهداف القوميين العرب في بيروت ...وكان قلة من الطلبة يعرفون ذلك ولاحظنا أنهم يتهكمون علينا نحن زملائهم من أبناء الأسر الحاكمة في تلك الفترة ويسخرون منا بالقول : يا أمير..!!
أيام في أبين:
كنا نخرج يومي الخميس والجمعة إلى البساتين المجاورة للمدرسة التي تزخر بكل أنواع الفواكه ومساحتها كبيرة جدا فالدخول والخروج منها واليها يتم بواسطة دليل من الطلبة يعرف مداخلها ومخارجها لكثافة أشجارها وتنوعها وأشهرها الموز والعمبا ويسمح للداخلين إليها بالأكل دون اخذ شيء إلى الخارج عند الخروج وعندما لا نجد بعض فروع الموز ناضجة نقوم بسلخها على أمل أن تنضج الأسبوع القادم عند زيارتنا القادمة وعندما نعود بعد أسبوع نجدها قد فسدت أو اكتشفت وتم بيعها !!
آما أسواق أبين فقد كانت زاخرة بكل أصناف البضائع من كل الأنواع والأشكال والألوان و نرتادها يوم الخميس أو الجمعة عصرا كما يوجد فيها سوق كبير للسمك والفواكه والخضار والجامع الكبير ليس ببعيد عنها.
حفل تنصيب السلطان احمد بن عبدالله الفضلي :
حضر كافة طلاب المدارس الابتدائية والمتوسطة في آبين حفل تنصيب السلطان احمد بن عبدالله الفضلي وكان يوما حافلا وصاخبا شاركت فيه وفود القبائل والمواطنون والزوار من كل مكان وقد انتظرنا طويلا في الشمس رغم أن الجو في الشتاء معتدل الحرارة وشارك في الحفل ثلة كبيرة من الحرس الوطني والشرطة وكذلك المزارعون ومختلف الشرائح الاجتماعية من المواطنين.
الذهاب إلى عدن:
كانت عدن في أواسط الستينات قد بلغت ذروة مجدها وازدهارها وكانت درة المدن العربية تعج بالحركة والناس وفيها من كل الأجناس البشرية منهم العرب والهنود والصومال والباكستان والإنجليز وغيرهم وكانت عدن مزدهرة بالأسواق العامرة التي تباع فيها شتى البضائع المستوردة من الشرق والغرب من تايون وانجلترا وفرنسا وألمانيا وأمريكا الخ، كانت التجارة رائجة وكانت عدن ميناء حرا بدون جمارك والأسعار رخيصة جدا وكنت مبهورا بالمدينة وأنا ابن الريف (البدوي) حسب قول أهل عدن!!!
هنا في عدن توجد العمارات المسلحة الجميلة والنوافذ الزجاجية تغطيها الستائر الملونة والكهرباء وهنا السيارات من كافة الأشكال والألوان ونظام المواصلات في عدن سهل وميسور وهناك الباصات والكمساري يقطع التذاكر للركاب داخل الأوتوبيس إلى كل ضواحي عدن وأحياءها وتعتبر ارخص وسيلة للمواصلات وحركتها منظمة ودقيقة وهناك سيارات الأجرة حيث يتم التوصيل بالنفر بحدود خمس ركاب إلى أي مكان تريد وهي أسرع وبأجور رمزية أما الانجليز وعائلاتهم فلهم أحياء يتمركزون فيها مثل خور مكسر، التواهي، البريقة والمعلى ونادرا ما يختلطون بالعرب تجنبا للمشاكل معهم خاصة بعد ثورة اليمن وأطلقوا على عدن اسم : (هاف لندن) أي نصف لندن !!
وفي العطلات القصيرة وخاصة عطلة رأس السنة كنت اذهب إلى عدن لزيارة أعمامي وبعض الأقارب العاملين في معسكر" شامبيون لاين " مقر قيادة الأمن العام ..وكنا نذهب إلى عدن مساء الخميس ونشاهد الأفلام العربية حيث يبدأ العرض بالجريدة العربية والتي تبدأ باستقبالات الرئيس عبد الناصر ونشاطاته السياسية وخطابته الملتهبة وتضج الصالة بالهتاف والتصفيق والصفير وكأننا نعيش مشهدا حيا والأكثر إثارة تدريبات رجال الصاعقة المصرية وهم يمسكون الثعابين ويقطعون رؤوسها ويسلخون جلدها ثم يشوونها على النار ثم يأكلونها وغالبا ما كنت اذهب إلى السينما في عطلة نهاية الأسبوع إذا زرت عدن برفقة ابن خالي (احمد عبدالله مجلبع) كما كنت أحيانا ازور الشيخ محمد فريد العولقي وزير الخارجية في مكتبه ومنزله والسلام عليه، وعندما نعود إلى زنجبار في نهاية الأسبوع وقد عشنا إجازة جميلة كأننا أفقنا من حلم وردي جميل.
مواقف ضاحكة:
كانت تحدث بعض الطرائف في تلك الأيام ونحن ندرس وفي إحدى الليالي نودي لصلاة العشاء وحضرنا ومعنا بعض المدرسين وطلبة القسم الداخلي والمراقب وعندما أقيمت الصلاة في الحديقة الخضراء وكنت يومها إماما للمصلين وعندما كنا في الركعة الثانية وأنا اقرأ إذا بأحدهم يضحك في الصف الخلفي ويولي هاربا ويقول ( الا شعوه ضرط ) وضحك عدد كبير من الطلبة في الصفوف الخلفية وهربوا وهو يصيح ( ألا به الفاصوليا ) وكدت اضحك وأبطل الصلاة ولكن الله سبحانه وتعالى أعانني وتماسكت حتى أتممت الصلاة وما إن سلمنا حتى وجدنا أن معظم الصفوف قد ولت هاربة ولم يبق إلا القليل.!!!
وللحديث بقية وهو ذو شجون !!!
د. علوي عمر بن فريد