د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):

حديث الذكريات (18).. الوطن الجميل الذي أضعناه بأيدينا !!

كان بودي ومن باب الوفاء لأبناء جيلي أن أسجل قائمة ولو مختصرة بأسماء الطلبة البارزين الذين درسوا قبلي وبعدي في "مدرسة زنجبار الوسطى للمحميات " ومنهم من لا زالوا أحياء يرزقون ومنهم من أصبح اليوم في ذمة الله !!
وقد حاولت جاهدا أن أجمع ما استعطت من معلومات ولكن للأسف الشديد لم أجد أي سجل وثائقي لتلك المدرسة العريقة التي كانت أشهر من نار على علم في الجنوب العربي بل كانت منارة علم في عصرها الذي بدأ في منتصف الخمسينيات من القرن الماضي وتخرج منها عدة أجيال من شباب الجنوب من كافة الإمارات الجنوبية وكان لا يدخلها إلا الجهابذة والنخب من الأذكياء ولكن الذاكرة لم تسعفني من جهة ومن جهة أخرى لم أجد أي مراجع عنها مع الأسف الشديد!!
كما حاولت التواصل مع بعض زملاء الدراسة وطلبت منهم المساهمة بما يستطيعون من ذكريات أيام الدراسة فتعاون معي البعض وهم قلة وفي طليعتهم الزميل علي شيخ والمهندس محمد معافا ولكن الغالبية لا حياة لمن تنادي واعتمدت على الله الذي أنعم علي بذاكرة لا زلت أتذكر بها بعض الأحداث ،وريثما تكتمل قوائم الطلبة من الزملاء المذكورين و سأضعها في ملحق خاص في نهاية كتابي عن " مدرسة زنجبار الوسطى للمحميات !!
ولاشك أن ظروف الناس قد تغيرت و لم تعد كما كانت زمان وأن دوام الحال من المحال فقد كانت الإمارات الجنوبية في ظل كيان اتحاد الجنوب العربي تتمتع بالأمن والاستقرار والرخاء والعيش الكريم و كانت المدرسة بلا أسوار ومساحتها مع الملحقات كبيرة جدا وفيها حارس ليلي واحد فقط !!
وكان الناس في ذلك الزمن الجميل يتسمون بالبساطة والطيبة والأمانة ويقظة الضمير والتدين ولم أسمع طوال مدة دراستي في زنجبار ولمدة ثلاث سنوات متتالية عن أي حوادث غريبة أو خروج عن الآداب العامة أو سرقات في تلك المدينة وأهلها الطيبين البسطاء الشرفاء كنا نشعر بأن كل كبير فيهم بمثابة الأب والمربي والموجه وقد كانوا كذلك ونعم الرجال ولا غرابة في ذلك فقد كنا نعيش في الزمن الجميل فسقى الله أياما ولت ولكن ذكراها ستظل حية في القلوب !!
ولا أنسى فضل من علمنا من أساتذة أفاضل فقد كانوا معلمين ومربين من أبناء الجنوب ومن السودان الشقيق في الوقت ذاته فسقى الله تلك الأيام التي لن يجود بمثلها الزمان ، إنها ليست بكائية على جدران الماضي الذي ولى ولن يعود ولكنها ذكرى واقع لن يتكرر عشناه وأعواما رائعة ستظل محفورة في وجدان من عاصرها وعاشها من جيلنا، وأرى من واجبي أن أنقلها لأجيالنا الجديدة ليعتبروا منها ويتعظوا من تجارب بلادنا الجميلة الجنوب العربي الذي كان يتألف من أكثر من 20 سلطنة وإمارة ولكنها وطن واحد للجميع أينما حل وارتحل وتنقل في أرجائها ..ولم يكن ولاة الأمر فيها من أمراء وسلاطين من الجبارين والشياطين كما صورهم الثورجيون كذبا وزورا .. بل كانوا رجال حكمة ووفاء وولاء للجنوب أرضا وانسانا وقد كانوا بسطاء وشرفاء لا يقتلون ولا ينهبون حقوق الناس ولا يغتصبون أموالهم بالباطل ..كانت أبواب بيوتهم وقلوبهم ومكاتبهم مفتوحة لكل مواطنيهم ولكن الشعارات الجوفاء سلبت عقولنا فجرينا خلفها وصدقنا من روجها ولجأنا إلى العنف وغرسنا الحقد والكراهية ضد بعضنا البعض وبكل أسف أقولها أن ذلك الجيل الذي تهيأت له سبل العلم والمعرفة من جيل زنجبار هو نفسه الذي تخرج منه بعض الشياطين والمردة وكان في صدارة المشهد لتدمير بلده الجميل الجنوب العربي بعد أن تشبع بأفكار القوميين العرب الهدامة سابقا والشيوعيين لاحقا ..وأنا هنا لا أبرئ نفسي من بعض الحماقات وأنا شاهد على ذلك الجيل فيما حدث من خيبات وانتكاسات عندما ركضنا خلف الأوهام والأحلام والشطحات الثورية وخربنا وهدمنا بلادنا بأيدينا وسمحنا للآخرين بالتدخل والعبث بأوطاننا !!
ومنذ الستينيات من القرن الماضي ونحن لا زلنا نعيش في دوامة الصراعات ونعبث بحرية وكرامة بلادنا وأدخلنا شعبنا في أنفاق مظلمة ...ويسعى الخيرون اليوم من أبناء الجنوب لإخراجه من ورطته بعدما قذف به الطائشون من أبنائه في سوق الشعارات الكاذبة واتون الجحيم ، ولا زالوا يساومون ويزايدون عليه كل يوم لبيعه في سوق النخاسة تارة باسم الوحدة وأخرى بشعارات تتم صياغتها حسب مصالحهم الخاصة !!..
وختاما أناشد كل الشرفاء وأّ ذكرهم أن من خرج أو بقي في داره ورضي واستكان للذل قل مقداره ، وبلادنا فيها خيرات كثيرة ولا زالت بكرا في باطنها وتحت ترابها كنوز من الثروات الطبيعية وحقول من النفط والغاز والآثار ومدن زاخرة بكنوز من الحضارات الإنسانية القديمة تكفينا وتكفي أحفاد أحفادنا فلا تبيعوها للطامعين والغرباء الذين وزعوها وقسموها واحتكروها لأنفسهم وحولوها إلى مربعات وحقول كإقطاعيات خاصة لهم وحدهم باسم الوحدة الكاذبة !!
وهم بهذا الفعل الشائن لا يستبيحون مواردنا فحسب بل يستبيحون كرامتنا وحقوقنا في بلادنا بل ويسلبون هويتنا ..والساكت على الظلم شيطان أخرس والسؤال المطروح هو:
ما قيمة الإنسان بلا مبدأ؟! ما قيمته وهو يتخلى عن «الفطرة» التي خلقه الله عليها؟! وأساسها نبتة خير زرعها المولى عز وجل فيهم والتحدي أمامهم بأن يحافظوا عليها ويصونوها ويتصدوا لأية مؤثرات تجعل الإنسان السوي يتحول لآخر دنيء.
لذلك لا عيش كريم لإنسان لا يملك مبدأ ولا يملك قيماً، فليس العيش الكريم بالمال والجاه بقدر...وإلا ما هي الكرامة التي منبعها رضا الإنسان عن نفسه، وعن تصرفاته وأفعاله ؟؟ وحرصه أن أفعاله ترضي الله ولا تغضبه !!؟؟
حينما تضيع القيم وتقتل المبادئ، يطغى كل شر، يسود الكذب، يعم النفاق، تكثر الخيانات، تقل البركة، يزيد الفساد، ومهما حاولنا إصلاح الأمور لا نجد التوفيق من الله عز وجل. وربنا قال في محكم التنزيل بشأن موسى عليه السلام: «يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين». الأقوياء والأمناء هم أصحاب المبادئ والقيم، والذين بهم تصلح الأمم ويكتب الله بجهودهم الخير.
والله نسأل أن ينصرنا على كل من ظلمنا وعلى الباغي تدور الدوائر.

(قالوا عن المدرسة ):
افتتاح مدرسة وسطى في سلطنة الفضلي :
الباحث ؛ أ. خالد سيف سعيد
في صباح يوم الخميس الموافق 10فبراير1955م احتفلت السلطنة الفضلية احتفالا لم يسبق له نظير ، فقد احتفلت بافتتاح مدرستين مدرسة ابتدائية، و مدرسة وسطى، وقد حضر الحفل جمع غفير من الضيوف، و على رأسهم سعادة والي عدن الذي قام بافتتاح المدرستين ..وقد ألقيت بعض الكلمات بدأها السلطان عبدالله عثمان، بكلمة ترحيب بالضيوف، ثم تلاه الأستاذ عبدالله أحمد مدير المعارف بالسلطنة الفضلية و مدير المدرسة الوسطى بكلمة شاملة عن المعارف في السلطنة وعن المدرسة الوسطى وما يرجى لها من تقدم. وبعد ذلك ألقى سعادة الوالي كلمة قصيرة عن حضوره هذا الاحتفال وعن اهتمام السلطة البريطانية بتطوير التعليم في عدن والمحميات ..وبعد ذلك قدم رئيس طلبة المدرسة ألبوما فخما ،يضم عدة صور عن السلطنة الفصلية وتطوير التعليم ، هدية بمناسبة هذا الاحتفال ،كما قدم طلبة المدرسة المتوسطة اي الوسطى بعدة العاب ، وايضا مباراة كرة القدم بين فريقين مدرسة زنجبار الابتدائية و مدرسة الدرجاج على كأس وفازت مدرسة الدرجاج بالكأس ، ونالت المباراة إعجاب الحضور.
*انظر صحيفة البعث 12فبراير1955م,ص12.عدن.
أ. خالد سيف سعيد

المدرسة المتوسطة للمحميات الغربية بزنجبار "
في سطور "
سالم حيدره صالح
تعتبر المدرسة المتوسطة للمحميات الغربية بمدينة زنجبار-أبين أيام الاستعمار البريطاني للجنوب واحدة من أقدم المدارس على مستوى الجنوب وظلت صرحا علميا وتربويا لأبناء الجنوب العربي من عام 1955م حتى العام 1967 م وتخرج منها العديد من القادة بالجنوب منهم : سالمين و فيصل عبداللطيف و جاعم صالح و علي سالم لعور و امزربه و محمد علي هيثم ومحمد صالح قماطة و علي ناصر محمد و محمد علي احمد والفنان الكبير محمد محسن عطروش فكانت صرحا علميا وعلما بارزا لما تمثلة مدينة زنجبار من مكانة كونها من حواضر الجنوب العربي العلمية والثقافية .وفي العام 67 م تم تحويل المدرسة الى دار المعلمين بزنجبار ليتخرج منه الكوادر العلمية والتربوية وظلت منارة علمية في الجنوب حتى عام 1990م يوم إعلان الوحدة اليمنية مع نظام الشمال ليتم تحويل المعهد إلى مدرسة بلال للتعليم الأساسي وتم السطو على نصف المساحة من قبل المتنفذين ليحولوه إلى سكن خاص لهم ليتم طمس هوية هذه المدرسة المتوسطة الذي ظلت صرحا علميا لكل أبناء الجنوب العربي وتخرج منه العديد من الدكاترة والمهندسين و الكتاب والأدباء والفنانين والمبدعين من أبناء الجنوب ...
سالم حيدره صالح
أسماء طاقم مدرسة زنجبار الوسطى للمحميات في الستينيات
د. علوي عمر بن فريد
المدرسون :
- الأستاذ شيخ أحمد شيخ المدير من السودان .- الأستاذ حسين كردفاني ،- الأستاذ الحاج - الأستاذ صلاح مصطفى النعيم
- الأستاذ منصر من أبين - الأستاذ أحمد سالم سعد القاضي من شقره .- الأستاذ باراشد من حضرموت - الأستاذ محمد ناصر عمير من أبين - الأستاذ علي صالح غرامه من لودر
-المربي بالقسم الداخلي احمد عمر (ثعلب) من نصاب – العوالق -الحارس العام علي سلوم
- مبروك مشرف مغسلة الثياب..وعبدالرحيم من حضرموت .
- كبير الطباخين.. راشد من اليمن .-عمر حسين صاحب المقصف من أبين
في الختام لا بد أن نذكر البدايات الأولى لتأسيس مدرسة زنجبار الوسطى للمحميات العريقة بتاريخها ، الأصيلة بقيمها وعلمها الذي أشع نورا ساطعا وعلما نافعا ونفع الله بعلومها دفعات من رجال الجنوب الذين تخرجوا من تلك المدرسة العريقة والشهيرة التي تأسست عام 1955م واستلم ادارتها الأستاذ حسن أبوبكر لصفوح العولقي في الفترة من عام 1955م -1961م .
وإنني إذ أتقدم بالشكر لليوم الثامن ومديرها الأستاذ صالح أبو عوذل وفريق اليوم الثامن و لكل الاخوة والأصدقاء الذين وقفوا معي في هذا البحث ولو بحرف أو بكلمة أو معلومة دون انتظار رد جميل والأروع من ذلك كله أن تجد رجالا أوفياء يحبونك دون مقابل وأقول لهم :
الحياة من دونكم تصبح مظلمة ..أنتم النور الذي يضيئ الطريق لشبابنا ويشجعهم إلى عبور المستقبل وتحقيق المستحيل !!!
وسنواصل حلقاتنا عن عدن اعتبارا من غد حتى بعد العيد .
د. علوي عمر بن فريد