الجمهورية العائلية
مؤخراً، وجّه محافظ محافظة صعدة، هادي عبد الله طرشان، العميد علي المقرن، قائد اللواء 101 المرابط في صعدة، المحافظة الواقعة تحت سيطرة الحوثيين الكلية، باعتماد كشف بمنح رتب عسكرية له ونجليه بصفتهم من مشائخ صعدة، وضمهم إلى قوة اللواء بصورة مخالفة. طرشان، المحافظ الشرعي المعين من هادي، وجه بمنحه هو رتبة عميد، ومنح نجليه، طارق، رتبة رائد، ومالك، رتبة نقيب، دون ذكر أي مؤهلات باستثناء المشيخة.
لا أحد يعلم بأي صفة يوجه طرشان بمنح هذه المكرمة العائلية له ولولديه، مغتصباً صلاحيات هي ملك حصري لرئيس الجمهورية دون غيره.
وعلى ذات منوال طرشان، سار ونجح رئيس جهاز الأمن السياسي، عبده الحذيفي، في تعيين ثلاثة من أولاده كضباط ارتباط في سفارات اليمن في ثلاث عواصم، فظهرت قرارات تعيينهم، وكأنهم يمثلون الجمهورية الحذيفية، وليس الجمهورية اليمنية، التي لم يعد ثمة ما يدل عليها سوى علم يُرفع في مأرب، وآخر يُرفع خلسة في مقاطعة معاشيق، مقر الحكومة اليمنية في عدن.
الحذيفي الذي فشل في إنجاز ما يجب إنجازه لحماية الأمن السياسي الداخلي، نجح في فرض وصايته وتعيين أنجاله، محمد، ضابط ارتباط في سفارة اليمن بماليزيا، وعبد الله، ضابط ارتباط في سفارة اليمن بالسودان، وأحمد، ضابط ارتباط في السعودية. وحتى لا يحصر البعض فساد اليمن في الرجلين؛ فإن طرشان والحذيفي ليسا أول الفاسدين، بل ربما يكونا أقلهم فساداً، فما فعلاه سبقهم إليه وبصورة أبشع منه وزراء الحكومة الشرعية، وقادتها العسكريون، بكل جرأة ووقاحة ودون وازع من ضمير أو خجل.
وفي مواجهة هذا، يبرز السؤال الموجع والمستفز: من أين يستمد هؤلاء كل هذه الصلاحيات للعبث بمؤسسات الدولة وكأنها ملك لهم ولأولادهم؟
والسؤال الأهم: كيف تأمن الرئاسة أمثال هؤلاء على مصالح الأمة، فيما هم لا يرون في البلد غير مزرعة خاصة بهم وأطفالهم ينهبون منها ما يشاءون، ويوزعون على حواشيهم كل مناصب الجيش والأمن والسلك الدبلوماسي، وكأنهم يتقاسمون تركة خاصة من أملاك أجدادهم في أقاصي ريف اليمن؟
المؤسف أن هذا يأتي في ظل حالة مسلسل مستمر ولم يتوقف، من تهميش وظلم واستبعاد ذوي المؤهلات والكفاءات، والتعامل معهم كنكرة أو كاشخاص غير مرغوب فيهم، لسبب بسيط، ولكنه غير مبرر، وهو انتماؤهم للجنوب أرضاً وقضية.
والأمر الأكثر استفزازاً أن يأتيك غبي أو متغاب ليسألك ماذا تريدون أنتم الجنوبيون؟ ولماذا تتنكرون لخيرات الوحدة وأفضال الشرعية عليكم؟
إن روائح الفساد التي تشبه ما أشرنا إليه سابقاً تتزايد وتزكم الأنوف، وهي مؤشر واضح على أننا أمام منظومة سلطة لا يكفي أن نصفها بالفاسدة، بل المتعفنة. وبالتالي، فهذه السلطة لم تعد حاملة لعوامل فنائها بذاتها فقط، بل تحمل عوامل فناء واندثار أمة برمتها، طالما ظلت منومة، وغائبة عن الوعي وصامتة، وعاجزة عن مواجهة هؤلاء الفاسدين الذين استأثروا بكل شيء، ولم يتركوا أي شيء.